اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ١٩ أيار ٢٠٢٥
أزمة المذيعة بوسي شلبي تعيد الجدل حول توثيق الطلاق والرجوع والذمة المالية وتوقعات بألا يرى القانون النور في الدورة البرلمانية الحالية
منذ عام 2017 لم يتوقف الحديث في مصر عن إرهاصات مشروع جديد للأحوال الشخصية، وكل شهر وآخر تخرج تصريحات تشير إلى انتهاء مسودته الأولى والاتفاق على البنود، وإدلاء لجان ومؤسسات بمقترحاتها تمهيداً لعرضه على اللجنة المختصة بمجلس النواب، ومن ثمّ مناقشته في الجلسات العامة. كما تداول الكثير من البنود التي أثارت الجدل، وأبرزها أمور متعلقة بتنظيم الزواج والطلاق، وترتيب من هم أحق بحضانة الأطفال بعد الانفصال.
وعلى رغم مرور نحو ثمانية أعوام على بدء النقاش، وأكثر من خمسة على الحديث عن وجود مشروع مكتمل الأركان، فإن التعثر نصيب هذا القانون الذي سمع عنه المواطن المصري تصريحات متناقضة، لكن لم تتخذ حتى الآن خطوات عملية نحو إقراره، حتى إن المعنيين بالأمر من أعضاء مجلس النواب وناشطي المؤسسات المهتمة بقضايا المرأة والأسرة لا يعرفون موعداً قريباً لإقراره في ظل حال الغموض والجمود أيضاً التي تحيط به.
ويحضر دوماً قانون الأحوال الشخصية في المحادثات ويعود إلى الواجهة كلما وقعت حادثة يستغل فيها الأفراد ثغرات القوانين الحالية، ومن أمثلتها النزاع حول الحقوق المالية والوصاية على الأطفال، وحضانتهم، وكذلك أزمة عدم إلزام الزوج بإبلاغ زوجته بعقد قرانه على غيرها، وكذلك توثيق الرجوع عن الطلاق، وأيضاً توثيق الطلاق نفسه، إضافة إلى الاعتراف بالطلاق الغيابي، وهي كلها أمور تتسبب كل يوم في أزمات شتى وتُحدث تصدعات في الأسرة المصرية لا يمكن رأبها بسهولة، وكذلك في إشاعة الفوضى، إذ ترتبط بهذه الحوادث عادة مشكلات في المواريث، وهو بند في حد ذاته يشكل هاجساً ومصدراً للجدل الذي لا يمكن إطفاؤه بسهولة.
قانون متعثر
شهدت مصر خلال الفترة القليلة الماضية تقدماً ملموساً في كثير من القوانين التي كانت معلقة، بينها قانون العمل الجديد وقانون الإجراءات الجنائية، إذ جرى إقرارهما رسمياً، وفي حين أن الأول كان منتظراً بسبب التقدم الملحوظ في بنوده مقارنة بقانون العمل القديم، فإن الثاني عبّرت جهات كثيرة عن تحفظها عليه، ومع ذلك أقر، في حين أن قانون الإيجار القديم قاب قوسين أو أدنى من أن يلحق بهما، فإن قانون الأحوال الشخصية يبدو حالة خاصة، بسبب مدى حساسيته على رغم تماسه مع ملايين الأسر في مجتمع وصلت فيه نسبة الطلاق بين الشباب المتزوجين حديثاً وتتراوح أعمارهم ما بين 25 و30 سنة إلى 17.4 في المئة وفق آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وعلى رغم ربط الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بين معدلات الطلاق المرتفعة وضرورة إجراء تعديلات جذرية في مسألة التوثيق، وذلك خلال أكثر من نقاش أبرزها توجيه حديثه إلى شيخ الأزهر عام 2017 خلال إحدى الندوات، وبعدها خرجت الأخبار لتؤكد أن المؤسسة الدينية البارزة لديها اعتراضات على بعض النقاط، لا سيما في إصرارها على وقوع الطلاق الشفهي، وبالتبعية فالرد الشفهي يعتبر شرعياً كذلك في أشهر العدة، صاحب هذا جدل مجتمعي وديني متواصل على مدى أعوام حول مدى التأثيرات الضارة في استقرار الأسرة وحقوق النساء إذا ما ظل القانون كما هو في هذا الصدد.
إلا أن دوائر النقاش اتسعت بصورة ملحوظة مع حملة توعية وتحذيرات، بالتوازي مع أزمة المذيعة بوسي شلبي، التي تحوّلت إلى قضية رأي عام على رغم أنها شأن خاص جداً، إذ فوجئت المذيعة المعروفة ببيان رسمي موقع من قبل ابني الفنان الراحل محمود عبدالعزيز يؤكدان فيه أنها لم تكن زوجة أبيهما رسمياً على مدى ما يقارب 20 عاماً كما تدّعي، وأن الطلاق وقع بينهما ووثق رسمياً عقب نحو شهرين فقط من زواجهما عام 1998.
وعليه فمن المعروف أن عدم توثيق ردها لعِصمة النجم الراحل رسمياً وبوثيقة فهي ليس لها الحق في الميراث أو أي حقوق شرعية تترتب على الوفاة، وذلك على رغم مئات الشهود، وتصريحات ضمنية بين بوسي شلبي ومحمود عبدالعزيز تؤكد استمرارية الزواج، إضافة إلى أن أحد الأبناء كان قد وصف في حديث سابق له بوسي شلبي بزوجة أبيه.
هذا التشكيك الذي تغيب عنه تفاصيل كثيرة شكّل حال قلق لدى النساء العاديات، فإذا كانت علاقة أسرية مثل هذه، ملايين المتابعين في الوطن العربي شهدوا عليها، ومئات من الزوار المشاهير لمنزل الزوجية أكدوها، وقعت صاحبتها في أزمة وأنكر عليها القضاء، وفقاً لتصريحات الأبناء، كونها متزوجة رسمياً من صاحب 'رأفت الهجان والساحر والكيت كات'، فإلى أي مدى يمكن أن تعانيه امرأة غير معروفة وليس لديها هذا الظهير، إذا لم تُنصفها الأوراق الرسمية، بينما هي عاشت كزوجة دون وثيقة، أو أخرى حياتها المهنية والعائلية معلقة بسبب إصرار شريكها السابق على عدم توثيق طلاقه منها.
تتحدث عضو لجنة المرأة بنقابة المحامين، القانونية مها أبو بكر، عن الحالات المشابهة التي اختبرتها بحكم مهنتها، لافتة إلى أنه بعيداً من شخصيات بعينها، فإنها تتمنى أن يُراعي مشروع القانون الجديد البنود الأساسية التي كان يجري الحديث عنها، آملة بألا تلاقي معارضة، وأبرزها أن 'يوثق الطلاق بحضور الطرفين، وألا يكتفى بالرد أو الرجوع الشفوي خلال فترة العدة، بل يوثق أيضاً رسمياً'، مشددة على أن الاهتمام بتوثيق الطلاق والتغاضي عن توثيق الرجوع معضلة كبيرة توقع النساء في دائرة من المشكلات ولا تضمن لهن حقوقهن، لافتة إلى أنه وفقاً للقانون الحالي فللزوجة حقوق في حالة واحدة فقط 'إذا أثبتت أن الطلاق كان غيابياً وهي لم تعلم به، ولم تتسلم الوثيقة'.
ثغرات هائلة
وتتابع أبو بكر، من وقائع عاينتها بنفسها، 'توجد ثغرة كبيرة وهي أن إشهار الزواج دون وثيقة يمكن إثباته، لأنه يعتبر شرعياً وليس قانونياً، لذا لا تترتب عليه أي حقوق إلا إثبات النسب في حال وجود أبناء على سبيل المثال، ونحن نناضل من أجل أن تكون للزوجة من الزواج العرفي حقوق شرعية مثل النفقة والميراث وغيره، والحقيقة أن مسألة الميراث تدفع الكثير للتحايل على القوانين والشريعة كذلك، بعض الأبناء يأتون بالمأذون للأب على فراش الموت، كي يطلّق زوجته الثانية، ليضمنوا حرمانها تماماً من الميراث على رغم أنها تحصل على ثمن التركة فقط، وهذه مواقف نقابلها يومياً'.
وأبدت أبو بكر اندهاشها من طول المدة التي استغرقها التحضير لمشروع القانون، كما أكدت أنها تعلم تماماً أن الأمر متشابك ومعقد، ويجب أن تتداخل فيه هيئات عدة، بينها الدينية، لكنها انتقدت غياب مؤسسة معنية بشؤون المرأة مثل المجلس القومي للمرأة في المحادثات الأولية لوضع المشروع، وجرى الاكتفاء فقط بمنحها الحق في إرسال توصيات ومقترحات.
المعروف أن رأي المؤسسات الدينية في القوانين بصورة عامة استشاري وغير ملزم، لكنه يكتسب أهمية كبرى، في كونه يضمن الدستورية، فحتى لو لم يكن ملزماً فينبغي أن تكون الأحكام في الأحوال الشخصية مستندة إلى الشريعة، وهذه أيضاً نقطة أخرى تزيد من حساسية الموقف في مصر.
لكن، بصورة عامة فإن أزمات بنود قانون الأحوال الشخصية المعمول به حالياً تتسع لتشمل أموراً أخرى كثيرة، يرى البعض أنها أسهمت على مدار أعوام في تهديد الاستقرار الأسري، وهنا يجب الرجوع بالتاريخ إلى أول قانون للأحوال الشخصية صدر في مصر وكان عام 1920، ثم جرى تعديل واستزادة مواده عام 1929، مروراً بتعديلات عدة عامي 1946 و1952، وصولاً إلى التعديل الأشهر عام 2000 المتعلق في حق المرأة في خلع زوجها، ثم التعديل الخاص بإنشاء محاكم الأسرة عام 2004.
بصورة واضحة تُحيل عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، النائبة أميرة أبو شقة، هذا الخلل الواضح في القانون المعمول به حالياً إلى أنه 'قانون المستعمر البريطاني'، إذ إن كل التعديلات التي مرّت على القانون لم تنزع عنه هذه الصفة كون 'القماشة نفسها' وُضعت أصلاً إبان هذه الحقبة، لافتة إلى أن الاحتلال لم يكن معنياً ببناء الأسرة المصرية، على حد وصفها.
وتبدي المحامية أميرة أبو شقة حماستها لمشروع القانون الجديد، مشددة على أن النشأة التاريخية والبنيان والعوار الذين شابوا القانون القديم، 'لا يمكن أن يواكبوا فلسفة بناء الأسرة التي تهتم بها الدولة في الوقت الحالي، لذا مشروع القانون المنتظر عالج أبرز المشكلات، وأهمها تلك التي كانت تؤثر سلباً في الطفل باعتباره نواة إنشاء أسرة جديدة كما وسّع من سلطة القاضي التقديرية، بعدما كانت يداه مكبلتين بسبب النصوص القديمة'.
من بين أبرز التعديلات المفترض أن يتضمنها القانون الجديد، استحداث نظام الرؤية الإلكترونية، وتشديد العقوبات على من يرفض عودة الأطفال بعد الاستضافة، وإلزام الزوج بإخطار الزوجة الأولى بزواجه بأخرى، وتوثيق الطلاق واستحداث بنود في عقد الزواج، وكذلك بنود حول الذمة المالية والثروة المشتركة بعد الزواج ونصيب كل طرف فيها، وحرمان الأب من رؤية أبنائه إذا رفض دفع نفقتهم، إضافة إلى بنود أخرى تنظم العملية التعليمية والولاية والمهور والميراث، وكذلك ما يترتب على الزواج العرفي، وبعض هذه التعديلات شهدت شداً وجذباً، بل تعرضت لما يمكن تسميته بالدعاية السلبية وأبرزها بند توثيق الطلاق.
تغييرات جذرية
وتعتقد المحامية والنائبة بمجلس النواب أميرة أبو شقة أن المسودة النهائية للقانون تتضمن إلزاماً بتوثيق الطلاق بالفعل، مشيرة إلى أن القانون المزمع يواكب التطورات الطبيعية في المجتمع، ويحاول إصلاح التشتت والتصدع والخلل الذي أصاب الأسر بسبب المحاكم، لافتة إلى أنه كان هناك حرص بالغ من قبل المشرعين على وضع حد لما يسمى بالتعسف في إثبات الحق والالتفاف على القانون، مثل حق الرؤية على سبيل المثال، كما أن القاضي إذا ارتأى أن الأب الذي هو في المرتبة الثانية للحضانة، وفق القانون المنتظر، غير كفء، بالطبع لن يترك الأطفال معه. نافية أبداً أن يكون هناك توجه لشطر المجتمع إلى نصفين، بل على العكس، هناك اهتمام بالحفاظ على كيان العائلة.
وتشير أبو شقة إلى أنه إضافة إلى هذه البنود فقد اقترحت هي أيضاً أن يجري تنظيم عمل المأذونين، لأن هذا المجال به فوضى كبيرة، حيث جرى الاقتراح بتنفيذ البصمة الإلكترونية لكل مأذون، وبخاصة أن البعض يستعينون بمساعدين يذهبون هم لعقد القِران فيما المأذون الرئيس غائب.
وعلى رغم كل هذه الأمور التي يعتبرها كثيرون إيجابية، فإن تأخر إصدار القانون يثير كثيراً من التساؤلات، ويصيب الموقف بالغموض، فإلى أين وصلت به الحال؟
تقول عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، 'حتى اللحظة لم يُعرض القانون على اللجنة المختصة في المجلس، وحينما يحدث هذا سيجري التصويت ليُعرض في ما بعد في جلسة عامة تناقشه من حيث المبدأ، ثم مناقشته تفصيلاً، وبعد الموافقة، يأتي دور مجلس الدولة، ثم التصديق الرئاسي والتنفيذ، وأعتقد أنه من الممكن إصداره في الدورة البرلمانية المقبلة'، إذ من المعروف أن هذه الدورة سوف تنتهي مطلع يناير (كانون الثاني) 2026.
على مدار الأعوام الأخيرة شهدت المحاكم المصرية آلاف القضايا التي يستغل بعض أطرافها ثغرات قانون الأحوال الشخصية المعمول به، بما يؤثر سلباً في الأطفال وأيضاً حرمان المستحقين من حقوقهم المادية، كما تُشارك آلاف شهاداتهم مع ثغرات القانون الحالي، سواء في ما يتعلق بالتهرب من دفع النفقة، أو التنكيل بأي طرف استغلالاً لبعض مواد القانون، والحرمان من الرؤية.
فيما كانت أزمة الميراث من أكثر الأمور التي تسببت في كثير من النزاعات الطويلة الأمد، إذ ضجّت الـ'سوشال ميديا' بأكثر من واقعة وُثقت بالفيديو وباعترافات أطرافها، وبينها تلك الواقعة التي اعتدت فيها إحدى الأسر على فرد منها بعد كتابته جميع أملاكه لبناته، إذ اعترض بقية أقاربه ممن يحق لهم نصيب من الإرث عقب وفاته واعتدوا عليه، وبخاصة أن القانون المعمول به يمنح أشخاصاً كثيرين جزءاً كبيراً من الميراث إذا كانت ذريته من الإناث فقط.
ومن خلال حملات التوعية المستمرة أصبحت بعض الأسر تلجأ إلى حماية مستقبل بناتها بضمان حياة كريمة لهن من طريق وهب أموالهم وممتلكاتهم لهن قبل دنو الأجل، وذلك إثر كثير من الحالات التي وجدت فيها فتيات أنفسهن وقد استُحوذ على ميراثهن المستحق من طريق التلاعب، وعلى الشاكلة نفسها تتكرر حالات التحايل من أجل حرمان الزوجة من نصيبها في التركة.
كما أن أي خلل في توثيق الزواج يُضعف من موقفها القانوني بصورة أكبر، إضافة إلى ضياع حقوقها وكذلك الإساءة إلى اسمها وسمعتها في المجتمع، إضافة إلى أن بعض الأزواج يطلقون زوجاتهم سراً دون إعلامهن، ويستمرون بالعيش معهن بطريقة طبيعية مطمئنين بأنهم لم يقَعوا في حرمانية شرعية، لأن هناك إشهاراً، لكنهم يحققون مآربهم بحرمانهن تماماً من الميراث، وهي أمور تشير المحامية مها أبو بكر وعضو لجنة المرأة بنقابة المحامين المصرية إلى 'انتشارها في المجتمع بصورة ملحوظة'، مضيفة أن حملات التوعية التي تتبناها وكثير من زملائها في هذا الصدد 'يمكن أن تؤتي ثمارها لكن على المدى البعيد'.