اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
في تقرير مطوّل حمل عنوان «سؤال كل الأسئلة»، تناولت صحيفة سراييفو تايمز مستقبل حركة حماس في ضوء المتغيرات الجذرية التي تشهدها المنطقة، مشيرة إلى أن الشرق الأوسط يقف على أعتاب مرحلة حساسة قد تعيد رسم خريطته السياسية والروحية في آنٍ واحد. فبعد عامين من الحرب المدمرة في غزة، وتصاعد الجدل حول ترتيبات 'اليوم التالي'، لم يعد الحديث يدور حول وقف إطلاق النار فقط، بل حول الشكل الذي سيتخذه الوجود الفلسطيني ذاته في المرحلة القادمة.
وتقول الصحيفة إن وثيقة سياسية حديثة، شارك في صياغتها عدد من القادة الإقليميين وشخصيات دينية مؤثرة، شددت على أهمية الاعتراف بالتنوع الديني والحضاري العميق الذي يميز أرض الشرق الأوسط، “حيث تتشابك جذور المسيحية والإسلام واليهودية في نسيجٍ واحد من الذاكرة والهوية.
وتؤكد الوثيقة أن “احترام الأماكن المقدسة وحماية التراث الثقافي سيبقيان من العناصر الحاسمة في الحفاظ على التعايش السلمي.”
كما تضمنت الوثيقة رسالة قوية ضد التطرف، معتبرة أن “أي مجتمع لا يمكن أن يتقدم إذا ما تمّ تطبيع العنف والعنصرية”، ودعت إلى “القضاء على الأيديولوجيات التي تهدد نسيج الحياة المدنية.” وفي ختامها، شددت على أن حلّ النزاعات المستقبلية يجب أن يتم “عبر الوسائل الدبلوماسية والمفاوضات، لا بالقوة أو الصراعات الطويلة”، مؤكدة أن “الشرق الأوسط لا يستطيع أن يتحمل دورة جديدة من الحروب والمفاوضات الفاشلة، وأن الأجيال القادمة تستحق أكثر من إخفاقات الماضي.”
وترى صحيفة سراييفو تايمز أن هذه الوثيقة ليست مجرد بيانٍ رمزي، بل تعكس إدراكًا متزايدًا لدى القوى الإقليمية والدولية بأن استمرار المواجهات العسكرية لم يعد يضمن الأمن ولا يحقق العدالة، بل يعمّق الكراهية ويؤخر فرص بناء سلامٍ حقيقي. غير أن موقع حماس في هذه المعادلة الجديدة يظل غامضًا، إذ تتراوح التوقعات بين سيناريوهات متناقضة: من احتوائها سياسيًا ضمن هيكل وطني فلسطيني موحّد، إلى محاولات إقصائها عسكريًا أو تجميد نفوذها في قطاع غزة.
في العلن، تواصل الحركة التمسك بخطاب المقاومة، مستندة إلى مشاعر الغضب الشعبي من حجم الدمار والمعاناة الإنسانية. لكنها في الواقع تواجه تحديًا وجوديًا معقدًا: فالمعادلة التي قامت عليها منذ عقود – المقاومة مقابل الشرعية – لم تعد قابلة للاستمرار في ظلّ الضغوط الدولية والعربية المتزايدة لإعادة هيكلة المشهد الفلسطيني برمته. ومع تضاؤل الدعم المالي وتقييد قنوات التمويل والاتصال، تبدو قدرة حماس على إعادة تنظيم بنيتها السياسية والعسكرية موضع اختبار صعب.
وتشير الصحيفة إلى أن النقاش حول 'اليوم التالي في غزة' بات يتجاوز حدود الحركة نفسها. فالدول العربية المجاورة، وعلى رأسها مصر وقطر والأردن، تسعى لإيجاد توازن بين دعم الشعب الفلسطيني والحفاظ على استقرار الإقليم، بينما تواصل إسرائيل وواشنطن طرح رؤى مختلفة لما يُسمى بـ'نظام ما بعد حماس'. بعض الدوائر الإسرائيلية ترى في تفكيك الحركة هدفًا استراتيجيًا نهائيًا، فيما يحذر آخرون من أن إقصاءها الكامل سيخلق فراغًا سياسيا قد تملؤه جماعات أكثر تطرفًا، وهو سيناريو باتت العواصم الغربية تخشاه بشدة.
أما على الصعيد الفلسطيني الداخلي، فإن احتمالات المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية تبقى معقدة ومشروطة. فالثقة بين الطرفين تكاد تكون معدومة، والمجتمع الدولي لا يزال مترددًا في التعامل مع حكومة تضمّ الحركة بشكل رسمي. ومع ذلك، فإن أصواتًا داخلية فلسطينية بدأت ترتفع مطالبة بإعادة توحيد الصف تحت راية وطنية واحدة، مدفوعة بإحساس متزايد بأن انقسام غزة والضفة لم يعد مقبولًا أخلاقيًا ولا سياسيًا.
وتختم سراييفو تايمز تحليلها بالتأكيد أن مستقبل حماس لن يُحدده العامل العسكري وحده، بل موازين القوى الناعمة أيضًا: من الدعم الشعبي، والدبلوماسية الإقليمية، وقدرة الحركة على الانفتاح على خطابٍ جديد لا يُقصي أحدًا. فالمسألة لم تعد مسألة سلاح فقط، بل مسألة رؤية: هل تستطيع حماس التحول من حركة مقاومة إلى فاعل سياسي شرعي ضمن نظام إقليمي جديد يسعى للتهدئة وإعادة البناء؟ أم أن التاريخ سيعيد نفسه، لتدخل الحركة في دورة جديدة من العزلة والمواجهة؟
والمؤكد أن الإجابة عن هذا السؤال ستحدد شكل المنطقة لعقود قادمة، لأن مصير غزة – بكل ما تحمله من رمزية – لم يعد شأنًا محليًا، بل مرآة تعكس مستقبل الشرق الأوسط بأكمله.