اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
في خطوة تعكس تعقيدات المشهد السياسي والإنساني في قطاع غزة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر سيظل مغلقًا حتى إشعار آخر، رغم التوقعات المتزايدة بإعادة فتحه بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
هذا القرار المفاجئ جاء ليعيد خلط الأوراق في ملف بالغ الحساسية، حيث يشكل المعبر شريانًا حيويًا لسكان القطاع، وممرًا أساسيًا للمساعدات الإنسانية والمرضى والطلاب والمسافرين.
وأوضحت صحيفة 'الجارديان' البريطانية أن إعادة فتح المعبر مرهونة بتسليم حركة حماس لبقايا جثث 28 رهينة إسرائيلية قُتلوا خلال الحرب، مشيرة إلى أن المعبر ظل مغلقًا منذ مايو 2024 حين سيطرت إسرائيل على جانبه من جهة غزة، وأن صور الأقمار الصناعية أظهرت طوابير طويلة من الشاحنات المتوقفة على الجانب المصري في انتظار السماح لها بالعبور.
وربط نتنياهو إعادة فتح المعبر بتنفيذ بند محدد في اتفاق الهدنة، وهو تسليم جثث الرهائن الإسرائيليين الذين قُتلوا خلال العمليات العسكرية الأخيرة. ورغم أن حركة حماس بدأت بالفعل في تسليم بعض الجثث، إلا أن الحكومة الإسرائيلية اعتبرت هذه الخطوة غير كافية، مشيرة إلى أن التنفيذ الكامل للاتفاق لم يتم بعد. هذا التباين في تفسير بنود الاتفاق يعكس هشاشة التفاهمات بين الطرفين، ويثير تساؤلات حول مدى قدرة الوسطاء الدوليين على ضمان تنفيذ الالتزامات في ظل غياب الثقة المتبادلة.
وعلى الجانب المصري، كانت الاستعدادات جارية لفتح المعبر، حيث اصطفت شاحنات المساعدات على الجانب الآخر من الحدود، في انتظار الضوء الأخضر للدخول إلى غزة. إلا أن إعلان نتنياهو أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وأثار موجة من الانتقادات، ليس فقط من قبل الفلسطينيين، بل أيضًا من منظمات دولية ترى أن استمرار إغلاق المعبر يفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، ويحول دون وصول الإغاثة إلى آلاف المحتاجين.
ولفتت صحيفة جيروزاليم بوست إلى أن القرار الإسرائيلي لا يمكن فصله عن السياق الأمني والسياسي الأوسع، فالمعبر بات رمزًا لتشابك الملفات، من قضية الأسرى والرهائن، إلى المفاوضات غير المباشرة، وصولًا إلى التوازنات الإقليمية والدولية. فكل خطوة على الأرض تُقرأ بعين الحذر، وكل تصريح يُفكك في ضوء التحولات المتسارعة في المنطقة.
في الوقت ذاته، يواجه نتنياهو ضغوطًا داخلية متزايدة، خاصة من عائلات الرهائن الذين انتقدوا بشدة أداء الحكومة، متهمينها بالتقاعس عن حماية أبنائهم، وبالتأخر في التفاوض على إطلاق سراحهم أو استعادة جثثهم. هذه الأصوات الغاضبة تضيف بعدًا داخليًا للأزمة، وتضع الحكومة الإسرائيلية أمام تحديات سياسية وشعبية متزايدة، خصوصًا في ظل تصاعد الانتقادات من داخل المؤسسة العسكرية والأمنية التي ترى أن إدارة الملف لم تكن على مستوى الحدث.
أما في غزة، فالإغلاق المستمر للمعبر يعني استمرار الحصار، وتعطيل حياة آلاف المدنيين الذين ينتظرون السفر للعلاج أو الدراسة أو لم شمل العائلات. كما أن المنظمات الإنسانية تجد نفسها عاجزة عن إيصال المساعدات، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى الغذاء والدواء والماء النظيف، وسط دمار واسع طال البنية التحتية والمرافق الحيوية.
ويُخشى أن يؤدي استمرار إغلاق المعبر إلى تفاقم الأوضاع الصحية، خاصة مع انهيار المنظومة الطبية في القطاع، ونقص الأدوية والمستلزمات الأساسية.
من جهة أخرى، فإن هذا التصعيد يضع مصر في موقف يفرض إعادة تقييمها لسلوكيات وقرارات الجانب الإسرائيلي، كونها الوسيط الرئيسي في معظم التفاهمات بين إسرائيل وحماس.
وقد تجد القاهرة نفسها مضطرة إلى إعادة تقييم دورها في الوساطة، خاصة إذا استمرت إسرائيل في اتخاذ قرارات أحادية الجانب دون تنسيق مسبق، مما يهدد بتقويض جهود التهدئة التي بذلتها مصر خلال الأشهر الماضية والتي كللت بنجاح قمة شرم الشيخ.
ويبدو أن معبر رفح أصبح مرآة تعكس عمق الأزمة، وتكشف عن مدى تعقيد الحسابات السياسية والأمنية والإنسانية. وبينما ينتظر سكان غزة بصيص أمل، تبقى القرارات رهينة التفاوض، والمصالح المتشابكة، والضغوط المتبادلة، في مشهد لا يزال بعيدًا عن الانفراجة الكاملة. فالمعبر المغلق لا يعكس فقط انسدادًا في وجه المسافرين لأسباب تتعلق بالجغرافيا، بل أيضًا بالسياسة وحساباتها، وبالرؤية المستقبلية لحل الصراع، الذي بات أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى.