قتل جمال عبد الناصر (٣)

لا تظن أن حجز غرفة مريض بالمبنى الاستثماري المميز في مستشفى جمال عبد الناصر بالإسكندرية أمر سهل، فالبيروقراطية الحكومية المتوارثة تعرقل كل سهل لتجعله صعبا!! حجز الغرفة يستدعي دفع بضعة آلاف من الجنيهات -تحت الحساب - وبالطبع لا يُقبل الدفع النقدي امتثالا لتعليمات وزارة المالية بشأن المبالغ التي تزيد على 500 جنيه بالجهات الحكومية، ولا تكمن المشكلة في ذلك، وإنما في ضرورة الدفع قبل الساعة 2 ظهرا، وهو موعد انصراف الموظف المختص!!

عذرا، لا تسأل عن المريض القادم للمشفى بعد 2 ظهرا ويحتاج إلى غرفة خاصة!! فهذا أمر لا يهم المسئولين متخذي القرار في جمال عبد الناصر الذين عجزوا عن معرفة الحل العبقري المطبق في كل جهات العمل بل وفي باقي أقسام المشفى ذاته والمتمثل في تكليف موظف بديل خلال الفترتين المسائية والليلية!!

المريض المحتاج غرفة بعد 2 ظهرا مسئول عن عدم ضبط ميعاد مرضه قبل الثانية، وعليه تحمل تبعات هذا الخطأ!! فإما أن يعود إلى منزله ويضبط ميعاد مرضه وفقا لمواعيد الدفع، وإما ينتظر في الاستقبال أو الطوارئ حتى صباح اليوم التالي، وإما يجازف بالمكوث في القسم المجاني!! وحديثي هنا عن مريض تستدعي حالته الحجز بالمشفى، وليس مجرد الكشف وتلقي العلاج والانصراف!!

في حالة تخطي المريض تلك المشكلة بشكل أو بآخر، ووصوله إلى غرفته بذلك المبنى الأنيق، ستبدأ معاناة من نوع مختلف، فقد يمكث أياما دون أن يرى طبيبا، وبالرغم من ذلك يتلقى علاجا منتظما من خلال طاقم التمريض الذي ينفذ ما هو مدون بملف المريض، ولو كان المريض حسن الحظ فقد يمر طبيب ما لمتابعة الحالات، وربما يكون ذا ضمير يقظ فيجري كشفا حقيقيا ولا يكتفي بمطالعة الملف الورقي، لكن الحق يقال إن الطاقم الطبي لا يدخر وسعا في طلب التحاليل والفحوصات اللازمة التي يتم إجراؤها في المشفى ذاته وتتضمن رحلة طويلة من الانتظار أمام القسم المختص وسط عشرات وربما مئات المرضى.

هل تحتاج إلى رأي الطبيب بشأن عرض مرضي ما؟ ولا تستطيع الانتظار حتى موعد مروره القادم، بالطبع ستلجأ لطاقم التمريض للاستفسار عن اسم الطبيب المعالج، وكيفية التواصل العاجل معه، لكن لا تندهش إذا تلقيت الإجابة بأنه دكتور فلان، تسأل عن لقبه، فتتعجب الممرضة من سؤالك وتجيب أنها لا تعرف، وحينما تقول لها إن هناك مليون د.فلان، ترد بذكاء بإجابات على غرار أنه الدكتور الذي يعمل مع فلان، أو يجلس في المكان الفلاني.. .وحاول ألا تصاب بأزمة قلبية أو نزف مخي أو شلل رعاش من جراء تلك الأوصاف العبقرية، واطلب منها إبلاغه بتطورات الحالة، وانتظر، فلا سبيل أمامك إلا ذلك!!

والمأساة مستمرة..