اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
في وقتٍ باتت فيه الهوية الرقمية لا تقل أهمية عن الهوية الورقية، كشفت تقارير متطابقة من مصادر غربية موثوقة عن واقع مقلق داخل الولايات المتحدة بأن أكثر من نصف الأمريكيين تعرّضوا لتسريب بياناتهم الشخصية عبر الإنترنت.
هذا ما أكدته تقارير متزامنة من مواقع سايبرنيوز ويو إس نيوز وسيكيورفريم، التي نقلت عن خبراء أمن معلومات قولهم إن “الاختراق لم يعد استثناءً، بل صار قاعدة في المجتمع الرقمي الأمريكي”.
فجوة بين الوعي والممارسة العملية
وتشير بيانات شركة نورد في بي إن المنشورة عبر موقع سايبرنيوز إلى أن 51% من الأمريكيين اكتشفوا أن بياناتهم الشخصية متاحة على الإنترنت المظلم.
ورغم أن 88% من المشاركين يعرفون مفهوم “الويب المظلم”، فإن أقل من نصفهم فقط تحقّقوا مما إذا كانت بياناتهم قد سُرّبت بالفعل.
هذا التناقض بين الإدراك والممارسة يكشف ثغرة سلوكية حادة في تعامل الأمريكيين مع أمنهم الشخصي.
المصدر نفسه أوضح أن 46% من المستخدمين لا يتخذون أي خطوة للتأكد من أمان بياناتهم، وأن 60% يستخدمون شبكات “واي فاي” عامة من دون أي أدوات حماية إضافية — وهو ما وصفه الخبراء بأنه “سلوك انتحاري رقمي”.
ضعف بنية الحماية الشخصية
تقرير آخر نشره موقع سيكيورفريم، أشار إلى أن أكثر من 53% من حوادث الاختراق المسجلة في المؤسسات الأمريكية خلال العام الأخير تضمنت تسريب معلومات تعريف شخصية (PII) تشمل الأسماء، أرقام الضمان الاجتماعي، والعناوين البريدية.
وفي السياق ذاته، أكدت يو إس نيوز أن 61% من الأمريكيين أبلغوا عن تعرض بياناتهم للاختراق مرة واحدة على الأقل، بينما أقر 44% بأن الحادثة تكررت أكثر من مرة.
هذه النسب تضع الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول الأكثر تضررًا من تسريبات البيانات في العالم، رغم امتلاكها لأقوى شركات الأمن السيبراني.
انكشاف الخصوصية في عصر الذكاء الاصطناعي
بحسب مسح موسّع أجرته نورد في بي إن ونشره موقع تك رادار، قال 95% من الأمريكيين إنهم يعتقدون أن كلمات المرور التي يستخدمونها قوية بما يكفي، لكن أقل من 5% فقط أشاروا إلى أنهم يفهمون طبيعة المخاطر التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الخصوصية.
هذا يعني أن ثقة المستخدم في نفسه أكبر بكثير من مستوى حمايته الفعلية.
فمع توسع الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل والتسويق، تتضاعف كمية البيانات التي يجري تخزينها وتحليلها عن المستخدمين، ما يجعل أي ثغرة بسيطة كفيلة بفتح الباب أمام تسريب شامل لمعلومات حساسة.
الاقتصاد الأسود للمعلومات
تقارير أمنية مستقلة نقلتها وكالة أسوشيتد برس ذكرت أن الأسواق الإلكترونية على الإنترنت المظلم تضم الآن أكثر من 16 مليار معلومة مسروقة بين كلمات مرور وأرقام بطاقات ائتمان وبيانات مالية.
ويقول خبراء أمن المعلومات إن كل عملية تسريب جديدة تُغذي هذا الاقتصاد الأسود، الذي يقدَّر حجمه بمئات المليارات من الدولارات سنويًا.
ومن اللافت أن معظم ضحايا التسريبات لا يكتشفون الأمر إلا بعد شهور طويلة، عندما تظهر مؤشرات مالية أو قانونية تدل على سرقة الهوية أو إساءة استخدام المعلومات.
ثقافة الأمان المفقودة
وكشف استطلاع رأي أجرته مؤسسة فارونيس أن 64% من الأمريكيين لا يعرفون ما الذي يجب عليهم فعله عند اكتشاف تعرضهم للاختراق.
هذا الجهل بالإجراءات الأساسية (مثل تغيير كلمات المرور أو إبلاغ البنك أو تفعيل التحقق الثنائي) يجعل الخطر مضاعفًا، لأن الهجوم الأول غالبًا ما يفتح الطريق لهجمات لاحقة على الحسابات المرتبطة بالمستخدم نفسه.
تحذيرات الخبراء وإجراءات مطلوبة
الخبراء الذين تحدثوا إلى واشنطن بوست وبلومبرج أكدوا أن الأمن الرقمي لم يعد مسؤولية شركات التقنية فقط، بل صار مسؤولية اجتماعية يجب أن تبدأ من الفرد.
وطالبوا بضرورة تدريس مفاهيم الخصوصية الرقمية في المدارس، وتعميم استخدام برامج التشفير الشخصي، وتفعيل القوانين التي تُلزم الشركات بإبلاغ المستخدمين فورًا عند حدوث أي اختراق لأنظمتها.
كما دعوا إلى تطوير تشريعات اتحادية تُحدد المسؤولية القانونية عن تسريب البيانات، بعدما أظهرت دراسات قانونية أن معظم الولايات الأمريكية لا تفرض عقوبات حقيقية على الشركات التي تفشل في حماية بيانات عملائها.
لكن الأزمة لا تكمن فقط في حجم التسريبات، بل في حالة اللامبالاة الرقمية التي يعيشها نصف المجتمع الأمريكي، فبين وعي نظري بالخطر وإجراءات وقائية غائبة، تظل الخصوصية الرقمية في الولايات المتحدة مهددة على نحو متزايد.
ومع تسارع التطور التقني ودخول الذكاء الاصطناعي في تفاصيل الحياة اليومية، يبدو أن معركة الحفاظ على البيانات الشخصية لم تعد مجرد قضية تقنية، بل تحولت إلى صراع وجودي على الحق في الخصوصية داخل أعتى الاقتصادات التكنولوجية في العالم.