اخبار مصر
موقع كل يوم -اندبندنت عربية
نشر بتاريخ: ٧ حزيران ٢٠٢٥
أطباء بيطريون يحذرون من تفشي أمراض معدية كالسل والحكومة تتوعد المخالفين بالعقوبات والأهالي: هذه طقوسنا
لم يكن جمال محمد، المقيم في إحدى قرى محافظة الدقهلية (شمال القاهرة)، على دراية بالعقوبات التي تفرضها الجهات المعنية في مصر ضد من يذبحون الأضاحي في الشوارع. فعلى رغم التوجيهات الرسمية والتلويح بالغرامات، يرى جمال أن ما اعتاده منذ الصغر من طقوس وعادات مرتبطة بالأضحية لا يمكن التخلي عنه.
يقول بنبرة حاسمة 'اشترينا العجل بـ 94 ألف جنيه (نحو 2000 دولار)، بالمشاركة بين أربع أسر من العائلة. وفي أول أيام العيد نجتمع كالعادة، ونذبح في قطعة أرض فضاء قريبة من المنزل، بحضور الجزار وأفراد الأسرة. هذه عادتنا التي لم تتغير بمرور السنين'.
في قريته لا تُطبق هذه التعليمات بشكل فعلي. فلا أحد يحرص على فحص الأضحية قبل الذبح، ونقلها إلى المجزر يُعد عبئاً إضافياً، سواء من حيث الكلفة أو الجهد، فضلاً عن أنه يُفقد المناسبة روحها الأسرية. ويتساءل مندهشاً 'هل المجازر قادرة فعلاً على استيعاب ملايين المصريين الذين يذبحون خلال العيد؟'.
ما يفعله جمال وكُثر غيره تحظره المادة 136 من قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966، المعدل بالقانون رقم 207 لسنة 1980، ويجرم ذبح الحيوانات في المدن والقرى التي توجد بها أماكن مخصصة للذبح أو مجازر عامة، خارج تلك الأماكن، إلا بقرار من وزير الزراعة. وقد حدد القانون غرامة تصل إلى 500 جنيه على المخالفين.
ويترك للمحافظين تحديد العقوبات المناسبة وفق ظروف كل محافظة، الأمر الذي انعكس في تفاوت الغرامات المعلنة من محافظة إلى أخرى، حيث تراوحت بين 10 آلاف و25 ألف جنيه، وسط دعوات للتشديد على ضرورة الذبح داخل المجازر المعتمدة، حفاظاً على الصحة العامة والبيئة، مع الإعلان عن توفير خدمة ذبح الأضاحي مجاناً داخل المجازر الحكومية المعتمدة خلال عيد الأضحى.
يؤكد رئيس شعبة القصابين في غرفة القاهرة التجارية مصطفى وهبة، أن ذبح الأضاحي كان يُجرى خارج المجازر بشكل معتاد خلال عيد الأضحى، لكن منذ نحو خمس سنوات بدأت الجهات المعنية تفرض قيوداً صارمة خصوصاً في المدن الكبرى، حتى أصبح الذبح مقتصراً على المجازر الرسمية، مع توقيع غرامات وتحرير محاضر للمخالفين، بدعوى الحفاظ على البيئة.
ضعف الرقابة
يشير وهبة إلى أن هذه الإجراءات فرضت على الجزارين أعباء إضافية، من بينها رسوم ذبح تصل إلى 150 جنيهاً للذبيحة، إلى جانب كلف النقل من وإلى المجازر، في ظل حظر الذبح في الشوارع. وعلى رغم صدور القرار، يرى وهبة أن التطبيق يواجه معوقات، خصوصاً في القرى والنجوع التي تشهد معدل مخالفات مرتفعاً نتيجة ضعف الرقابة.
ويضيف 'إذا خالفت القرار، تُحرَّر ضدي محاضر وأُغرَّم بما قد يصل إلى 10 آلاف جنيه، بينما في مناطق أخرى لا تخضع للرقابة يُمارس الذبح خارج المجازر من دون مساءلة. والهدف الأساسي من هذه الإجراءات هو الحد من الذبح العشوائي في الشوارع'.
ويقر وهبة بأن موسم الأضاحي يشهد تجاوزات، إذ يلقي بعض الجزارين والمواطنين المخلفات في الشوارع. ويتساءل 'هل تمر الأجهزة المعنية على كل شوارع القرى وتحرر محاضر لكل من يذبح في الشارع؟'. ثم يشدد على أن الرقابة تتركز بشكل أكبر في القاهرة، لا سيما في المناطق الراقية والشوارع الرئيسة، بينما يتحمل الجزارون رسوم المجازر وتكاليف النقل وتأجير العربات.
القانون يُلزم المواطنين الذين يشترون الأضاحي من الجزارين بنقلها إلى المجازر للفحص، وهو أمر لم يكن متبعاً سابقاً، وفق رئيس شعبة القصابين الذي واصل حديثه 'كان يُسمح بالذبح خارج المجازر بدءاً من يوم الوقفة، ولم تكن الأختام تخضع لمتابعة دقيقة خلال أيام العيد'. ويختم بالإشارة إلى أن المجازر تسجل سنوياً حالات إصابة بين رؤوس الماشية خلال الفحص، ويتم إعدام المصاب منها، بخاصة في ظل ارتفاع حجم الذبح خلال العيد.
أمراض كامنة
وبينما تتوالى التحذيرات والتلويح بفرض الغرامات على المخالفين، يؤكد المدير السابق لمديرية الطب البيطري في القاهرة السيد عبيد، أن تطبيق هذه الإجراءات يتركز فقط في المدن الكبرى، بهدف ضبط عملية الذبح والحد من التلوث الناتج من الذبح العشوائي. ولهذا تُفتح المجازر الحكومية والخاصة في هذه المدن مجاناً أمام المواطنين خلال عيد الأضحى، في محاولة للحد من هذه الظاهرة. أما تحديد قيمة الغرامات، فيُترك لتقدير كل محافظة، ويتغير سنوياً وفقاً لرؤية المحافظ.
وتكشف المجازر بشكل يومي عن أعداد كبيرة من الأضاحي المصابة، بحسب ما يذكره عبيد لـ'اندبندنت عربية'. وتضم القاهرة مجزراً يحتوي على أكبر غرفة إعدام على مستوى الجمهورية، تُنفذ فيها حالات إعدام كلي أو جزئي بشكل متزايد، وتوجد في المجازر أطقم من الأطباء البيطريين لفحص الأضاحي خلال أيام العيد والتأكد من صلاحيتها للاستهلاك الآدمي.
وفي حين لا يلقي كُثر اهتماماً باتباع هذه الإجراءات، يؤكد عادل عبد العظيم أستاذ الأمراض المعدية والوبائية بكلية الطب البيطري في جامعة القاهرة، أن الذبح السليم يبدأ بدخول الحيوان إلى المجزر وإجراء الكشف البيطري عليه. فإذا ثبتت سلامته يُصرح بذبحه، وإذا تبين أنه غير سليم يُمنع ذبحه تماماً. كما يخضع الحيوان بعد الذبح لفحص جديد للتأكد من سلامة أعضائه الداخلية، وقد يقرر المجزر إعدام الأضحية كلياً أو جزئياً بإزالة الأجزاء غير الصالحة للاستهلاك الآدمي.
ويشير إلى أن بعض الأمراض لا تُكتشف إلا بواسطة الطبيب المختص، مسلطاً الضوء على ضعف وعي المواطنين بأهمية الذبح داخل المجازر. ويتساءل 'من يضمن خلو اللحوم من الأمراض المعدية غير المجازر التي تُجرى فيها الفحوص من قبل مختصين؟'. ويضيف 'لا توجد محافظة في مصر بلا مجزر، وخلال الأعياد تُنشأ مجازر موقتة تحت إشراف الهيئة العامة للخدمات البيطرية. لذلك لا مبرر لاستمرار الذبح العشوائي، ولا لتطبيق القانون في بعض المناطق من دون غيرها'.
فوضى الذبح العشوائي
يقول عبد العظيم إن الوعي بخطورة تناول لحوم لم تخضع للفحص الطبي لا يزال محدوداً، وفوضى الذبح في الشوارع تطرح تساؤلاً جدياً حول جدوى قانون المجازر إذا لم تُرافقه رقابة فعالة. ويؤكد أن مسؤولية الدولة لا تقتصر على إصدار القوانين، بل تشمل أيضاً توعية المواطنين وتطبيق الإجراءات بصرامة، إذ إن الذبح خارج المجازر تحوّل إلى عادة مجتمعية تتطلب تغييراً جذرياً.
بحسب حاتم فراج، مساعد وزير الزراعة السابق للطب البيطري، فإن القانون خوّل للمحليات صلاحية تحديد الغرامات، نظراً إلى أن المجازر تخضع إدارياً لها، بينما تتبع وزارة الزراعة من حيث التنظيم. ويشير إلى أن قانون الزراعة رقم 67 وتعديلاته نص على غرامة قدرها 500 جنيه للمخالفين، ما دفع عدداً من المحافظين إلى إجراءات إضافية لتغليظ العقوبة. أما في حال عدم صدور غرامات أعلى من قبل المحافظات، فيتم تطبيق الغرامة الأساسية التي أقرتها وزارة الزراعة.
وأوضح فراج أن هناك أكثر من جانب يستدعي قصر الذبح داخل المجازر، من بينها الجانب الصحي، حيث يجرى فتح الغدة الليمفاوية- وهي الطريقة الوحيدة للكشف عن إصابتها بمرض السل- كما يشمل الأمر جانباً بيئياً، يضمن التخلص الآمن من المخلفات الناتجة من الذبح.
من ضمن العادات الخاطئة، وفق مساعد وزير الزراعة السابق، عدم اهتمام البعض بفحص الأضحية للتأكد من خلوها من الأمراض، ووجود عدد من المعوقات التي تدفع كثيرين لتجاهل الإجراءات الرسمية، وكذلك من بينها رغبة البعض في مشاهدة الأضحية لحظة الذبح، إضافة إلى ضعف آليات تنفيذ القوانين.
ولم يغب عن فراج أن بُعد المجازر عن بعض المناطق يثني المواطنين عن الالتزام بهذه الإجراءات، إضافة إلى أن مراقبة جميع المواطنين الذين يذبحون في الشوارع تبقى مهمة بالغة الصعوبة. داعياً إلى ضرورة تطوير المنظومة من خلال آليات حديثة، مثل إنشاء تطبيقات إلكترونية لحجز مواعيد الذبح في المجازر، وفتح المجال أمام جميع الأطباء البيطريين وتدريبهم للمشاركة في العمل خلال فترة العيد، وعدم اقتصارها على أطباء المجازر، توسيعاً لنطاق الفحص والرقابة.
ويحذر أستاذ الطب البيطري بجامعة القاهرة فتحي النواوي، من خطورة مخالفة التعليمات المتعلقة بالذبح داخل المجازر الرسمية، مشدداً في حديثه لـ'اندبندنت عربية' على أن هذه التعليمات تُعد من القواعد الأساسية المتبعة في الدول التي تلتزم بأنظمة الفحص البيطري، بهدف التأكد من سلامة الحيوانات المذبوحة. لأن 'استمرار حال الفوضى يهدد بعدم ضمان سلامة الأضاحي وخلوها من الأمراض'.
ويؤكد النواوي أن عملية الذبح خلال عيد الأضحى يجب أن تخضع للفحص قبل وبعد الذبح، ما يستدعي تشديد الرقابة في جميع المناطق المصرية، وتحرير محاضر ضد المخالفين ممن يمارسون الذبح خارج المجازر، على أن تُصادر الأضاحي لإعادة فحصها رسمياً.
وبينما لا تستجيب الشريحة الأوسع من المصريين لتلك الإجراءات، يشير النواوي إلى وجود أخطار صحية جسيمة عند اللجوء إلى الذبح في الشوادر أو الأماكن غير المرخصة، مؤكداً أن هذه الظاهرة تنتشر بشكل أكبر في القرى، حيث يقل الاهتمام بإجراء الفحص البيطري. لافتاً إلى أن عديداً من الأمراض يُكتشف بشكل متكرر في هذه الحالات، مثل السل، والبروسيلا، والسالمونيلا، وهي أمراض تجعل اللحوم غير صالحة للاستهلاك الآدمي، فضلاً عن أن الأطباء البيطريين أنفسهم قد يتعرضون للعدوى أثناء الفحص.