اخبار مصر
موقع كل يوم -الرئيس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٣ تشرين الأول ٢٠٢٥
في تصريح لافت صدر من مدينة شاهركُرد جنوب غربي إيران، أعلن إسماعيل خطيب، وزير الاستخبارات الإيراني، أن “العدوان الإسرائيلي” استند إلى دعم واستخدام أكثر من خمسين وكالة استخبارات أجنبية في تنفيذ هجمة شاملة على بلاده، تشمل معارك هجينة متزامنة من هجمات جوية وبحرية، وأنشطة تجسس إلكتروني، وتوظيف ميليشيات أجنبية داخل الأراضي الإيرانية وفقا لموقع وكالة تسنيم الإيرانية.
هذا التصريح يُعدّ الأشدّ لهجة على الجبهة الإيرانية منذ سنوات، ويشير إلى تطور إضافي في المشهد الاستخباراتي الإقليمي، إذ إن إيران ـ بحسب الوزير ـ لم تتعامل مع عداء مباشر فقط، بل مع “حرب استخباراتية وتنسيقية” شارك فيها عدد كبير من اللاعبين الدوليين.
وبحسب ما عرضه الوزير خطيب، فإن المواجهة الكبرى انطلقت في 13 يونيو 2025 عندما شنت إسرائيل هجوما عدوانيا غير مبرَّر، استهدف مواقع عسكرية نووية وسكنية في إيران، استمرت 12 يومًا. وخلال تلك الفترة ـ بحسب التصريح ـ شاركت “ما يُسمّى هيئة استخبارات الناتو” وأكثر من 50 جهازًا استخباراتيًا أجنبيًا في العمليات، هدفها “الإطاحة بالنظام” وتفكيك القدرات الإيرانية عبر حرب هجينة تشمل هجمات جوية، تجسس سيبراني، دعم لمجموعات تكفيرية، وتخريب داخلي.
وأضاف الوزير أن القوات الإيرانية ردّت بصرامة، حيث نفّذت قوات سلاح الجو الفضائي التابع لـ الحرس الثوري الإيراني “22 موجة صاروخية” في إطار ما وصفه بـ “عملية الوعد الصادق 3” (Operation True Promise III)، ما تسبب ـ بحسب البيان الإيراني ـ بخسائر كبيرة لإسرائيل.
كما اتهم خطيب الولايات المتحدة بأنها صعدت الهجوم بضرب ثلاث مواقع نووية في نطنز وفوردو وأصفهان في 22 يونيو، في وقتٍ كان التوتر قد بلغ ذروته.
دلالات التصريح ومغزاه
أولًا، من ناحية الخطاب الإيراني، يُعدّ التصريح اللافت رسالة تحذير مُركّزة إلى إسرائيل وداعميها: بأن طهران ترى أن المواجهة لا تقتصر على سلاح الجو أو الصواريخ فحسب، وإنما على منظومة استخبارية وتنسيقية واسعة.
ثانيًا، عدد “أكثر من 50 وكالة استخبارات” يُعدّ رقمًا رمزيًّا يشير إلى أن إيران تعتبر ما جرى ليس مجرد اعتداء من دولة إلى دولة، بل “عدد من الدول والأجهزة” شاركت في التخطيط والتنفيذ ـ ما يعقد سقف الرد الإيراني القادم إذ يرى القادة أن الأمر جماعي وليس فرديًا.
ثالثًا، من المنظور الدولي، هذا التصريح قد يُستخدم لاحقًا كذريعة لرفع سقف التصعيد الإيراني أو لتبرير عمليات أمنية أو عسكرية ضد دول يُزعم أنها امتدت في هذا الدعم، ما قد يوسع رقعة الاشتباك.
رابعًا، يُشير هذا التصريح إلى أن ما يُعرف بالحرب السيبرانية والاستخباراتية لم يعد مُكمّلًا للحروب التقليدية فحسب، بل أصبح يُستخدم في قلب الصراعات الإقليمية المركزية، كما في حالة إيران وإسرائيل، حيث يُشترك فيها “عملاء” ووكالات استخبارات دولية في مشغلات “هجين” أو مختلطة.
لكن التصريحات الإيرانية السابقة ـ حول عمليات تجسّس أو اغتيالات أو هجمات على أراضيها ـ كثيرًا ما قوبلت برفض أو تكذيب من أطراف غربية أو إسرائيلية.
ماذا يعني هذا في السياق الأوسع؟
من زاوية تحليلية، يمكن القول إن هذا التصريح الإيراني يُمثّل بابًا جديدًا في الملفات الساخنة بين طهران وتل أبيب، ويُضيف بعدًا استخباراتيًا علنيًا وصريحًا: وفي ظل التقدّم التقني والاستخباراتي، أصبحت “المعركة من وراء الكواليس” مفتوحة أكثر من أي وقت مضى، بما في ذلك استخدام أجهزة استخبارات دولية، جرًّا وتدخّلًا، واستهداف بنى تحتية حسّاسة.
ويعكس التقدير الإيراني بأن الردّ تمّ عبر “22 موجة صاروخية” رغبة في ترسيخ مفهوم الرد المتعدّد الأبعاد: ليس فقط صد الهجوم، بل كذلك الإيحاء بأن من يقف وراءه “موضع مكاشفة” للجميع.
وقد تكون طهران بهذا التصعيد تحاول تحريك ركيزة الردع لديها، ليس فقط ضد إسرائيل، بل أيضًا ضد من ترى أنها أطرافا “تسهّل” العدوان عليها، ما قد يؤدي إلى توسيع رقعة المواجهة لتضم أطرافًا إضافية أو تُشعل اشتباكات متعددة الجبهات.
من جهة إسرائيل، هذا التصريح الإيراني يمثّل أيضًا ضغوطًا سياسية ودبلوماسية، لأنه يطرحها كطرف ليس وحده في الهجوم أو الدفاع، بل كجزء من صراع أوسع، ما قد يدفعها لمراجعة استراتيجيتها القائمة على المواجهة تجاه إيران أو تصميم ردّ أقل علانية وأكثر استخباراتية.
وسجلت تصريحات وزير الاستخبارات الإيراني حالة من التحول في أسلوب الطرح الإيراني: من مجرّد “اتهام” أو “إنكار” إلى إعلان علني بأن الحرب لم تكن بين دولتين فحسب، بل بين شبكة استخباراتية متعددة الأطراف. هذه الخطوة لا تختلف فقط في اللغة بل في ما تبثّه من إشارات لمستقبل الصراع: أن إيران جاهزة لاستخدام أوراق استخباراتية وسيبرانية، وأن من يقف خلف المجهول قد يُدفع إلى المواجهة.


































