اخبار البحرين
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
سلمى حداد - الخليج أونلاين
- زيارة بحرينية لميناء الرويس تمهيداً لإطلاق خط بحري مباشر تمثل خطوة عملية نحو تكامل اقتصادي وبنية تحتية استراتيجية.
- بيانات التجارة تعكس تعافياً سريعاً للعلاقات، مع ارتفاع الصادرات القطرية للبحرين بنسبة 644%
- المشروع يعزز الاعتمادية المتبادلة ويفتح آفاقاً واسعة لقطاعات السياحة والتجارة والخدمات اللوجستية والطاقة
في خطوة تعكس التحوّل النوعي في العلاقات القطرية البحرينية بعد سنوات من الجمود، يتقدّم مسار التعاون بين البلدين بخطوات متسارعة نحو التكامل العملي، عبر مشاريع بنية تحتية استراتيجية تعيد رسم خريطة التواصل البري والبحري في الخليج.
وبعد استئناف العلاقات الدبلوماسية، في أبريل 2023، وعودة الرحلات الجوية المباشرة في مايو من العام نفسه، دخل البلدان مرحلة جديدة من التعاون الميداني.
خط بحري مباشر
وتوجت هذه المرحلة مؤخراً بزيارة وفد بحريني إلى ميناء الرويس القطري، في 22 سبتمبر 2025، تمهيداً لإطلاق خط بحري مباشر بين الدوحة والمنامة، في خطوة تُعدّ الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد.
وتُمثّل هذه التحركات أكثر من مجرد تسهيلات للنقل، إذ تعكس إرادة سياسية واضحة لتحويل المصالحة الخليجية إلى مشاريع ملموسة ذات أثر اقتصادي واجتماعي طويل الأمد.
وأعلنت وزارة المواصلات القطرية أن الوفد البحريني قام بزيارةٍ تجريبية إلى ميناء الرويس للاطلاع على مسار الرحلة ومرافق المسافرين، ضمن خطواتٍ تنسيقية استعداداً لتشغيل خط بحري مباشر بين البلدين.
وأكدت الوزارة، في بيان، أن الزيارة جزء من تحضيرات تشغيل 'خط بحري قطر-البحرين' قريباً.
جسر المحبة
إلى جانب الربط البحري، عاد ملف 'جسر المحبة' إلى الطاولة أيضاً، خلال الأشهر الماضية، ففي فبراير 2024، اتفقت اللجنة القطرية البحرينية على إعادة هيكلة مجلس إدارة مشروع الجسر واتخاذ الخطوات التنفيذية اللازمة، بما يتسق مع توجيهات قيادتي البلدين.
وهذا التطور يعني عملياً إعادة تشغيل الحوكمة المؤسسية للمشروع بعد سنوات التجميد.
ووفق التصوّر الفني المنشور، يبلغ طول الجسر المزمع نحو 40 كم، ويُصمَّم لحركة المركبات، مع تصورٍ سابقٍ لمكوّن سككي، ما يجعله مشروع بنية تحتية عابر للأجيال إذا أُنجز بربطٍ بري مباشر بين البلدين عبر خليج البحرين.
وحول أهمية الربط البحري في ظل وجود مشروع لبناء جسر، فإن هذا الربط يعد حلاً مرحلياً سريع العائد قبل الجسر، يمكن تشغيله تدريجياً وتوسيعه بحسب الطلب، إضافة إلى أنه يستند إلى بنية موجودة (موانئ ومرافئ وخدمات لوجستية).
شراكة متنامية
وفي تصريحات صحفية، في يونيو الماضي، قال وزير المواصلات والاتصالات البحريني عبد الله بن أحمد، إن المنامة تعتز بالشراكة الوطيدة والمتنامية مع قطر.
وأكد الوزير البحريني اهتمام بلاده بتعزيز التكامل مع قطر في تطوير قطاعات النقل والبنية التحتية، وتأمين حركة الملاحة البحرية والجوية، ودعم المشروعات الاقتصادية المشتركة في إطار منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وأشار إلى حرص المملكة على توفير المقومات اللازمة لإنجاح مشاريع الربط البري والبحري مع قطر، والشراكة في تطوير الخدمات اللوجستية، باعتبارها نقلة نوعية في مسيرة التنمية المستدامة، بالتوافق مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030.
كما اعتبر أن المشروع يدعم الشراكة والتكامل بين دول مجلس التعاون، بما يحقق المصالح التنموية المشتركة لكلا البلدين والشعبين، وشعوب المنطقة بأسرها.
وفي المقابل أكد وزير المواصلات القطري الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد آل ثاني حرص بلاده على توسيع مجالات التعاون والشراكة في قطاعات المواصلات والموانئ والخدمات اللوجستية والابتكار الرقمي مع البحرين، بما يدعم أهداف التنمية المستدامة.
وأشار في تصريحات صحفية، في يوليو الماضي، إلى أهمية تنفيذ المشروعات التنموية المشتركة، بما يسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي الخليجي، ويعود بالخير والازدهار على شعوب المنطقة كافة.
أهمية اقتصادية وسياسية
ويرى المحلل الاقتصادي أحمد أبو قمر أن مشروع الربط البحري بين قطر والبحرين وما قد يتبعه لاحقاً من تنفيذ مشروع الجسر العابر للخليج، يمثلان خطوة استراتيجية عميقة الأثر على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، ولن يقتصر تأثيرهما على تحسين حركة التنقل فحسب، بل سيتجاوز ذلك ليشمل إعادة تشكيل العلاقات التجارية والاستثمارية بين البلدين.
ويشير أبو قمر في حديثه لـ'الخليج أونلاين' إلى أن عودة قنوات التنقل منذ استئناف العلاقات في عام 2023 بدأت تنعكس بوضوح على أرقام التجارة الثنائية.
وحسب بيانات رسمية من البلدين، بلغت صادرات قطر إلى البحرين، في أبريل 2025، نحو 80.8 مليون ريال قطري (نحو 22.2 مليون دولار)، بارتفاع قياسي بلغ 644% على أساس سنوي، وهو ما يعكس تعافي النشاط التجاري وتوسّع سلاسل الإمداد في الاتجاهين.
ويعتقد أبو قمر أن الخط البحري المرتقب سيكون له أثر مباشر في تقليص زمن وكلفة العبور مقارنة بالمسارات البرية غير المباشرة أو الرحلات الجوية القصيرة المكلفة، ما سيزيد من مرونة سلاسل التوريد الحيوية في قطاعات مثل الأغذية المبردة، والمواد الإنشائية، وقطع الغيار، والنقل السياحي بالمركبات الخاصة.
كما سيخلق الخط طلباً جانبياً في قطاعات مساندة مثل التأمين، وخدمات الموانئ، واللوجستيات، والسياحة القصيرة، وهو ما سينعكس إيجاباً على بيئة الأعمال في البلدين، وفق المحلل الاقتصادي.
أما على المدى الطويل، فيوضح أبو قمر أن الجسر البري سيكون مضاعفاً لتأثير هذه المكاسب، إذ سيتيح قدرة نقل أعلى وتنقلاً يومياً منخفض التكلفة للعمالة الماهرة، إلى جانب ربط مباشر بشبكات الطرق الإقليمية العابرة للخليج؛ ما يعزز تكامل أسواق العمل والتجارة البينية، ويُعيد رسم خريطة التفاعل الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.
ويضيف أن البعد السياسي للمشروع لا يقل أهمية عن جانبه الاقتصادي، إذ إن الربط المادي يعزز الاعتمادية المتبادلة ويخفض كلفة التباعد ويرفع كلفة أي توترات مستقبلية، كما يمنح البلدين أدوات مشتركة لإدارة تدفقات السلع والركاب خلال الأزمات مثل اضطرابات سلاسل الإمداد أو ارتفاع تكاليف الشحن العالمية.
وأكد أبو قمر أن عدة قطاعات مرشحة للاستفادة المباشرة من هذا المشروع، أبرزها السياحة العائلية والفعاليات التي ستستفيد من سهولة حركة المركبات، والتجارة الخفيفة والمتوسطة التي ستقلص أوقات الانتظار، والخدمات اللوجستية والبحرية التي ستشهد طلباً متزايداً، وقطاع الطاقة والبتروكيماويات الذي سيستفيد من تقليص زمن توريد المواد المساندة للمشروعات الكبرى.
ويخلص إلى أن هذه المشاريع ليست مجرد بنية تحتية، بل أداة استراتيجية لتحويل التقارب السياسي إلى تكامل اقتصادي ملموس، وتعزيز الترابط الخليجي في مرحلة تشهد فيها المنطقة تحولات اقتصادية وجيوسياسية كبرى.