اخبار البحرين
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١١ تموز ٢٠٢٥
كامل جميل - الخليج أونلاين
الخبير الاقتصادي د. علي دعدوش:
موقف الخليج لا يرفض التحول، بل يدعو إلى مسار عقلاني وغير مؤدلج يراعي واقع الدول المنتجة للنفط وتنوع احتياجات الاقتصادات العالمية.
اعتماد دول الخليج مبدأ 'المزج الطاقي' يمثل صيغة مرنة وعملية للتعاون الدولي.
بوسع دول الخليج أداء دور محوري في تشكيل خريطة الطاقة خلال العقد المقبل.
على الرغم من تصاعد الدعوات إلى التحول نحو مصادر الطاقة البديلة، باعتبارها حلاً سريعاً ومباشراً لمواجهة التغير المناخي، لكن هذا التحول يواجه تحديات معقدة تنطلق من محدودية البنية التحتية، وصولاً إلى حاجة العالم المتزايدة للحصول على طاقة بأسعار مقبولة.
في المقابل ما تزال مصادر الطاقة التقليدية، وفي مقدمتها النفط والغاز، تشكّل العمود الفقري للاقتصاد العالمي، ما يشير إلى ضرورة استمرار الاعتماد على الوقود لعقود قادمة.
من هنا يتبلور نقاش عالمي تتصدره دول الخليج، يدعو إلى مقاربة متوازنة وواقعية، لا تتعامل مع الطاقة المتجددة بصفتها بديلاً، بل مكملاً ضرورياً في مزيج طاقي أكثر تنوعاً واستدامة.
تصريحات قيادات خليجية في الطاقة دعت خلال ندوة أوبك الدولية التاسعة في فيينا، الأربعاء (9 يوليو 2025)، إلى اعتماد نهج واقعي ومتوازن يأخذ في الحسبان احتياجات الدول النامية، وأمن الإمدادات، وعدالة الوصول إلى الطاقة.
من منصة النقاش تحدث الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، بنبرة لا تخلو من العتب على الحالمين بعالم بلا نفط. قالها بوضوح: 'الطلب على النفط سيستمر في النمو'، داعماً ما ذهب إليه باستمرار ارتفاع عدد سكان العالم الذي يقترب من 10 مليارات نسمة.
الوزير السعودي لم يتحدث بمنطق الدفاع، بل بمنطق البناء، مؤكداً أن الطاقة المتجددة ليست خصماً، بل شريك في مزيج عالمي معقد.
الطاقة المتجددة في الخطاب الخليجي
لم تعد الطاقة النظيفة مجرد عناوين بروتوكولية في خطط دول الخليج، بل تحولت إلى محور استثماري نشط، محققة قفزات مثيرة للإعجاب، وهو ما يطرح سؤالاً حول نظرة دول الخليج لمستقبل الطاقتين الوقود والنظيفة.
بحسب ما ذكر وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي في ندوة 'أوبك'، فإن الطلب على الطاقة في ارتفاع مستمر، لافتاً إلى عدم إمكانية الاعتماد على مصدر واحد، وأن الحاجة ماسة إلى جميع الموارد، ومن ضمنها المتجددة.
أما وزير النفط الكويتي طارق الرومي فجاء حديثه ليعيد صياغة المشهد من زاوية جيوسياسية، لا سيما مع ارتفاع الأصوات البيئية المطالِبة بالتخلي الفوري عن الوقود الأحفوري.
الرومي لم ينفِ أهمية التحول، لكنه ذكّر بأن النفط ليس مجرد مصدر طاقة، بل ورقة أمنية واقتصادية مرتبطة بهياكل النقل والصناعة والاستهلاك العالمية، قائلاً: 'النفط سيظل سلعة استراتيجية للعالم'.
دعوة للتعاون لا للمواجهة
هيثم الغيص، الأمين العام لمنظمة أوبك، كان تصريحه أقرب لرأب الصدع بين دعاة الطاقة النظيفة وبين الواقعيين الذين يرون أن الطريق نحو انبعاثات صفرية يمر عبر مراحل معقدة.
واختصر الغيص التوازن المطلوب بتأكيد ضمان أمن الطاقة، ولكن دون الإخلال بأهداف المناخ.
من جانبه قدّم أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة 'أرامكو' السعودية، مداخلة تعكس موقفاً واقعياً مدعوماً بالأرقام، مبيناً أن الطلب العالمي على النفط الخام ينمو بمعدل 1.5 مليون برميل يومياً، تقوده الصين والهند.
وحول الطاقة الشمسية لفت الناصر إلى أنها لا تمثل حالياً سوى 5% من المزيج العالمي.
هذا الرقم يكشف حجم الهوة بين الطموح البيئي والواقع الاقتصادي، ويدعم رؤية أن التحول يجب أن يكون تصاعدياً لا صدامياً.
ما جاء في أحاديث خبراء الطاقة الخلجيين لم يكن دفاعاً عن الوقود الأحفوري، بل ينبع من الحاجة العالمية الماسة للوقود الذي لا يمكن الاستغناء عنه بطريقة سريعة إنما وفق تسلسل زمني وخططي.
حسابات اقتصادية وجيوسياسية
يرى الخبير الاقتصادي د. علي دعدوش أن موقف دول الخليج باعتبار الطاقة المتجددة مكملاً للنفط لا بديلاً عنه يعكس فهماً استراتيجياً لتحولات سوق الطاقة، ويستند إلى حسابات اقتصادية وجيوسياسية مدروسة.
ويؤكد أن الاعتماد العالمي على الوقود الأحفوري ما يزال يتجاوز 75%، في ظل غياب بدائل فعّالة في قطاعات حيوية مثل الطيران والنقل البحري والصناعات الثقيلة.
ويلفت دعدوش إلى أن دول الخليج تتبنى مزيجاً طاقياً مرناً يحقق الاستقرار المالي ويضمن استمرارية الإمدادات، بدلاً من الاعتماد الأحادي على مصادر قد تتأثر بعوامل الطقس أو مشاكل البنية التحتية.
ويضيف أن دول الخليج لا تسعى إلى التخلي عن النفط، بل إلى توظيف عوائده في تنويع الاقتصاد وتطوير الطاقة النظيفة، كما يظهر في مشاريع مثل 'رؤية السعودية 2030'.
ويشير دعدوش إلى أن التحول في أسواق الطاقة يجري تدريجياً، لا إقصائياً، وهو ما تعكسه استثمارات شركات كبرى مثل 'أرامكو' و'أدنوك' في النفط والطاقات البديلة والوقود النظيف.
وعلى الرغم من أهمية عائدات الوقود في مدخولات دول الخليج، وهو ما يصعب التخلي عنه، فإن هذه الدول تواصل من جانب آخرمسيرتها بقوة لاعتماد أنواع الوقود الأخضر، محققة في ذلك تفوقاً ملحوظاً.
سوق الكربون
يمكن الاستدلال على التفوق الخليجي في مجال الطاقة النظيفة عبر ما أكدته شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية، التي ذكرت:
تمتلك دول الخليج إمكانات كبيرة لتحقيق التوازن بين إنتاج الطاقة التقليدية وتطوير سوق الكربون المستدام خلال السنوات المقبلة.
لدى دول الخليج استراتيجيات لتحسين كفاءة الطاقة وتقليل الانبعاثات من خلال الاستثمار في تقنيات متقدمة مثل احتجاز الكربون وإعادة استخدامه لتحسين كفاءة عمليات النفط والغاز.
يمكن لدول الخليج استخدام عائدات الطاقة التقليدية في تمويل مشاريع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر.
تسعى دول الخليج لكيتصبح مركزاًعالمياًلحلول الكربون المستدامة.
3 شروط أساسية
حول إمكانية بناء توافق دولي حول مبدأ 'المزج الطاقي' بدل الفصل بين الطاقة النظيفة والأحفورية، يرى د. علي دعدوش أن بإمكان دول الخليج النجاح في ذلك إلى حد بعيد، بشرط توظيف ثلاث أدوات أساسية هي:
الدبلوماسية الطاقية الفعالة
دول الخليج تستثمر علاقاتها الدولية في مشاريع الطاقة، ومن خلال منصات مثل 'أوبك+' ومجموعة العشرين، وقمم المناخ، يمكنها إعادة صياغة النقاش العالمي من 'إلغاء الأحفوري' إلى 'تحول متوازن وعادل'.
إثبات النموذج على الأرض
إطلاق مشاريع عملاقة مثل 'مدينة نيوم' و'مجمع محمد بن راشد للطاقة الشمسية'، يُؤكد أن دول الخليج تنفذ فعلياً انتقالاً طاقياً مرناً ومتدرجاً.
شراكات دولية ذكية
الاستثمار المشترك مع شركات عالمية في مشاريع الطاقة النظيفة، وربطها بسياسات الحياد الكربوني، تستطيع دول الخليج أن تطرح 'المزج الطاقي' كحل عملي واقتصادي عادل.
ويخلص دعدوش إلى أن موقف الخليج لا يرفض التحول، بل يدعو إلى مسار عقلاني وغير مؤدلج يراعي واقع الدول المنتجة للنفط وتنوع احتياجات الاقتصادات العالمية.
ويرى أن اعتماد مبدأ 'المزج الطاقي' يمثل صيغة مرنة وعملية للتعاون الدولي، وإذا أدارت دول الخليج هذه الرسالة بذكاء، فبوسعها أداء دور محوري في تشكيل خريطة الطاقة خلال العقد المقبل.