اخبار اليمن
موقع كل يوم -الخبر اليمني
نشر بتاريخ: ١٥ كانون الأول ٢٠٢٥
علي زغدود*
مقدّمة
لا تُقاس التحوّلات الكبرى في النظام الدولي فقط بما يُنفّذ فعليًا، بل بما يُطرَح ويُختبَر في المجال الرمزي والاستراتيجي. من هذا المنطلق، يكتسب التداول الإعلامي والسياسي لفكرة إنشاء كيان دولي جديد تحت مسمّى “مجموعة الخمسة” (C5) دلالة تتجاوز كونها مقترحًا تنظيميًا، لتصبح مؤشرًا على تحوّل في تمثّلات القوة العالمية وإعادة رسم غير معلنة لهرم القرار الدولي.
من مجموعة السبع إلى اختلال التمثيل
نشأت مجموعة السبع في سياق تاريخي محدّد عكس توازنات ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم الحرب الباردة. غير أن استمرارها بصيغتها الحالية بات يصطدم بواقع دولي متغيّر، حيث لم تعد الاقتصادات الأوروبية ولا قدراتها الديمغرافية والعسكرية تعبّر عن مراكز الثقل الفعلي في النظام العالمي. في المقابل، صعدت قوى تمتلك عناصر التأثير الصلب: الحجم السكاني، القاعدة الصناعية، الموارد الاستراتيجية، والقدرة النووية.
طرح بديل مثل C5 — يضم الولايات المتحدة، الصين، روسيا، الهند، واليابان — يعكس هذا الاختلال، حتى وإن لم يتحوّل إلى إطار مؤسسي قائم.
C5 كأداة اختبار استراتيجي
من غير المرجّح أن تكون واشنطن بصدد إطلاق تحالف جديد مكتمل الأركان. الأرجح أن الفكرة تُستخدم كـ أداة اختبار تهدف إلى قياس ردود الفعل، وإعادة ضبط مواقع الحلفاء، وإرسال إشارات إلى القوى الصاعدة بأن الولايات المتحدة مستعدة للتعامل خارج الإطار الغربي التقليدي.
في هذا السياق، لا يُقرأ استبعاد أوروبا كقرار نهائي، بل كوسيلة ضغط رمزية تُعيد التذكير بموقعها الوظيفي داخل المنظومة الغربية.
أوروبا: من شريك إلى عامل ثانوي
يكشف مجرّد تداول فكرة C5 عن تراجع الدور الأوروبي من منظور جيوسياسي صرف. فالقارة تعاني اليوم من غياب سيادة استراتيجية حقيقية، سواء في ملفات الأمن أو الطاقة أو السياسة الخارجية. كما أن اعتمادها البنيوي على المظلّة الأمريكية يحدّ من قدرتها على التصرّف كقطب مستقل.
وعليه، فإن واشنطن لم تعد تنظر إلى أوروبا كفاعل مؤسِّس في إعادة تشكيل النظام الدولي، بل كمساحة استقرار تابعة، يُراد لها تنفيذ السياسات لا صياغتها.
دلالات الموقف الروسي
وصف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري مدفيديف، للفكرة بأنها “صفعة على وجه أوروبا”، لا يعكس دفاعًا عن مشروع C5 بقدر ما يمثّل قراءة ساخرة لرسالة أمريكية قاسية. فروسيا تدرك أن أي إطار يضم هذه القوى الخمس سيظل مثقلًا بتناقضات عميقة، لكنها ترى في تهميش أوروبا فرصة لتفكيك المركزية الغربية التي حكمت النظام الدولي لعقود.
تناقضات الإطار المقترح
من الناحية البنيوية، يصعب تصور C5 كتحالف متماسك، نظرًا للتناقضات الحادة بين أعضائه المفترضين، سواء على مستوى الصراعات الجيوسياسية أو التحالفات العسكرية. ما يعزّز فرضية أن المقترح ليس مشروعًا عمليًا بقدر ما هو إشارة سياسية تعكس تحوّلًا في لغة إدارة النظام الدولي.
الخاتمة
لا تمثّل فكرة C5 إعلانًا عن نهاية أوروبا، لكنها تكشف نهاية وهمها كقطب مستقل في نظام عالمي متحوّل. فالنظام الدولي يتجه نحو تعددية غير متكافئة، حيث تُدار التناقضات من قبل قوى تمتلك أدوات الردع والتأثير، بينما يُعاد تعريف الأدوار الثانوية وفق منطق الفاعلية لا التاريخ.
في الجغرافيا السياسية، لا مكان للفراغ، ومن لا يُجدّد أدوات حضوره، يُعاد تصنيفه خارج دائرة القرار.
من مازال يراهن على أوروبا فهي خارج سباق الهيمنة اليوم…..
*رئيس كتلة لينتصر الشعب بمجلس نواب الشعب في تونس













































