اخبار اليمن
موقع كل يوم -الأمناء نت
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
نشرت صحيفة العربي تقريرا تضمن قصصًا مأساوية عن ظاهرة الزواج بالإكراه في اليمن، التي لا تزال تسلب المرأة حقها في اختيار شريك حياتها، وتمنح 'ولي الأمر' سلطة تقرير مصيرها دون استشارة أو اعتبار لرأيها.
تقاليد تقتل القرار
يركز التقرير على جذور هذه الظاهرة في المجتمعات الريفية والقبلية، حيث تهيمن الأعراف والعادات التي تقلل من شأن المرأة وتصادر حقوقها، وسط مجتمع ذكوري يصف نفسه بأنه 'محافظ'، بينما يكرّس واقعًا اجتماعيًا متوارثًا يعزز التمييز.
قصة 'ذكرى': الهروب نحو الحياة
في محافظة ذمار، تروي الشابة العشرينية 'ذكرى' كيف كانت على علاقة بزميلها الجامعي واتفقا على الزواج بعد التخرج، قبل أن يتقدم لها تاجر خمسيني لتكون زوجته الثالثة.
ورغم رفضها القاطع، قرر والدها تزويجها له طمعًا في المال، معتبرًا أن مصلحتها بيده، فعُقد القران دون موافقتها، واكتفى المأذون بموافقة الأب.
تقول ذكرى : 'كنت قد اتفقت مع زميلي على الزواج وبناء أسرة، لكن جشع والدي دفعه إلى اتخاذ قرار ظالم يقضي على حياتي. وعلى الرغم من أنني أبلغت والدتي وإخوتي وأعمامي وأخوالي برفضي هذا الزواج، غير أن والدي تمسك بقراره بحجة أنني امرأة لا رأي لها، ومن الواجب أن أسمع كلامه من دون نقاش. وبعد فشل محاولاتي، لم يكن بوسعي سوى الهروب إلى الشخص الذي اختاره قلبي، فقصدنا المحكمة وتزوجنا. صحيح أن القرار كان صعباً لكنه خيار لا بد منه، على الرغم من أنني خسرت والدي الذي تبرأ مني، وخسرت أهلي وأبناء قبيلتي، لكن كان لا بد من دفع هذه الضريبة كي أكسب حياتي ونفسي وسعادتي'.
'مها': ضحية صفقة مالية
في محافظة أبين، يروي التقرير مأساة 'مها'، فتاة لم تتجاوز 18 عامًا، أجبرها والدها على الزواج من رجل لا تريده مقابل إسقاط دين مالي عنه.
وبعد أسبوع من عقد القران، قررت مها إنهاء حياتها بتناول السم، تاركة خلفها أمًا مكلومة تقول: 'نحن أسرة فقيرة لا نملك إلا المزرعة، وجرى استغلال ظروفنا لإجبار ابنتي على الزواج من رجل لا تريده. فقدتُ ابنتي بسبب أشخاص لا يتحلون بالتقوى والأخلاق والضمير الإنساني، وكل ما أرجوه أن يعيشوا القهر الذي عشته على ابنتي'.
وتسببت هشاشة القوانين إلى تمدد نفوذ المجتمع التقليدي وسيطرة العادات، إلى جانب تكريس النظرة الدونية تجاه المرأة، وحصر قراراتها بيد الرجل بوصفه ولي أمرها. وعلى الرغم من أن إجراءات المأذون عند عقد الزواج مخالفةً للقانون، كونه يأخذ رضا ولي الأمر وليس المرأة نفسها، غير أن الظاهرة تتمدد أحياناً إلى حد عقد القران من دون عِلم المرأة، ما يجعلها الضحية بالدرجة الأولى.
'فقدت ابنتي بسبب من لا يعرفون الرحمة، وكل ما أرجوه أن يعيشوا القهر الذي عشته'.
القانون في مواجهة الأعراف
وتكشف المحامية هيام عبد الباري لـ'العربي الجديد' أن 'نحو 80% من القضايا في المحاكم ناتجة عن الزواج بالإكراه، خصوصاً أننا في مجتمع ذكوري، ونادراً ما تُسأل المرأة عن رغبتها بالزواج، علماً أن القانون اليمني لا يجيز إجبار المرأة على الزواج، وقد نص على ذلك في عدد من مواد قانون الأحوال الشخصية. كما أن عقد الزواج من العقود الرضائية، والعقد له شروط لصحته ومنها رضا الطرفين، وفي نص القانون (كل عقد بُني على إكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له)، وهو نص صريح'.
وتؤكد أن 'التحلي بالوعي القانوني يتيح اللجوء إلى القضاء لحل الإشكاليات. منح ولي الأمر الحق بالتزويج لا يمثل انتهاكاً لحق المرأة لكنه أمر ضروري، وهناك نص قطعي مفاده (لا نكاح إلا بولي وشاهدَين)، غير أن القانون يشترط أخذ موافقة المرأة'. وتُبيّن أن الكثير من حالات الزواج عُقدت بغير رضا المرأة، وهناك آباء يعترفون بالخطأ، وآخرون يستمرون بالمكابرة'.
بدورها، تقول المحامية والناشطة الحقوقية ندى سعيد لـ'العربي الجديد' إن 'هناك الكثير من القضايا المنظورة في النيابات والمحاكم في كل المحافظات اليمنية أساسها التزويج بالإكراه، من خلال قيام الأب أو الأخ بتزويج ابنته أو شقيقته، بصفته ولي أمرها من شخص لا ترغب به، أو عدم تزويجها لشخص ترغب به، وهي قضية تمثل شكلاً من أشكال التمييز ضد المرأة في اليمن، حين أُوكل موضوع زواجها إلى ولي أمرها، على الرغم من امتلاكها الأهلية الكاملة للموافقة أو الرفض. لكن العادات والتقاليد والأعراف جعلت القرار بيد ولي الأمر، وهو ما يُعد مصادرة لحق من حقوق المرأة في اختيار زوجها'.
وتضيف سعيد: 'النص القانوني يحدد بوضوح في المادة (10) من قانون الأحوال الشخصية أن 'كل عقد بُني على إكراه الزوج أو الزوجة لا اعتبار له'، لكنه في نفس الوقت أوكل موضوع التزويج إلى ولي الأمر وليس إلى المرأة نفسها، إذ اعتبر في المادة (23) أنه 'يشترط رضا المرأة، ورضا البكر سكوتها ورضا الثيب نطقها، ولم يحدد الجهة التي تستفسر المرأة عن قبولها أو رفضها، وهذه الجهة يجب أن تكون المأذون وليس ولي أمرها. بمعنى آخر، القانون يتضمن مواد جيدة، لكنها مبهمة ومرنة، ويجرى تجاوزها بسبب العادات والتقاليد'.
وتشير الناشطة الحقوقية إلى أن 'الأعراف المجتمعية تعزز مصادرة حق المرأة في قبول أو رفض من يتقدم للزواج منها، بما في ذلك الموروث الشعبي المتمثل بالأمثال والمقولات المتداولة، مثل المَرَة (المرأة) ما لها إلا زواجها والزواج سُتر للبنت وراحة للأهل، وهي أمثال تعزز الذكورية وتصادر حقاً إنسانياً تكفله القوانين والشرائع.













































