اخبار اليمن
موقع كل يوم -الخبر اليمني
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
صلاح الدين بن علي
في يوم السابع عشر من جمادى الأولى لعام ١٤٤٧ هـ وفي إنجاز أمني نوعي يعكس مستوى التطور المتسارع للقدرات الاستخباراتية اليمنية أعلنت وزارة الداخلية في صنعاء عبر بيان رسمي عن نجاحها في تفكيك شبكة تجسس معادية تنشط داخلياً وتعمل بإشراف مباشر من غرفة عمليات مشتركة تضم وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي وجهاز المخابرات السعودي وتتخذ من الأراضي السعودية مقراً لها.
الغرفة المشتركة للخلية في الأراضي السعودية عملت على إنشاء شبكة تجسس متعددة داخل الأراضي اليمنية وزودتها بأجهزة تجسس متطورة كما تلقت الشبكة تدريبات على أيدي ضباط أمريكيين وسعوديين داخل أراضي المملكة بهدف جمع إحداثيات لمنشآت عسكرية ومدنية ونقلها إلى قيادة الغرفة لتوجيه ضربات دقيقة أو تنفيذ عمليات تخريبية تستهدف البنية الأمنية والاقتصادية اليمنية وهو ما وثّقه البيان الأمني الصادر عن وزارة الداخلية في صنعاء.
تزامنت فترة نشاط هذه الغرفة المشتركة وشبكتها التجسسية مع فترة العدوان الأمريكي الإسرائيلي على اليمن وغزة وما قبلها كما انخرطت بصورة مباشرة من داخل الأراضي السعودية واليمنية في رصد وتقديم إحداثيات حساسة في المحافظات اليمنية استهدفتها المقاتلات الأمريكية والإسرائيلية وهو ما وثقته اعترافات أعضاء الخلية وأكدته معدات تجسس ميدانية أصبحت في قبضة الأجهزة الأمنية اليمنية في صنعاء.
هذه العملية اليمنية شديدة الأهمية – نظراً لسياق التوترات المحلية والإقليمية – جاءت لتكشف عن بنية استخباراتية عدوانية متكاملة تعتمد على غرفة إدارة وتنظيم مركزية في الخارج (السعودية) وخلايا ميدانية نشطة في الداخل اليمني بالإضافة إلى قاعدة اتصالات خلفية للتدريب والتمويل وتلك معطيات تعني في أبسط دلالاتها وجود خطة استخباراتية طويلة المدى تتجاوز مقاصد التجسس غير المكرّس وصولاً إلى إنشاء منظومة مكرّسة لضرب القدرات الاستراتيجية اليمنية على مختلف الصعد.
تم تكريس هذه المنظومة بإدارة سعودية إسرائيلية أمريكية مشتركة لتحقيق هدف مركزي يتمثل في شلّ قدرات الردع اليمنية وهدف مرحلي يتمثل في وقف جبهة الإسناد اليمني لغزة أو التأثير عليها على أقل تقدير عبر خطة رصد شاملة لمواقع عسكرية وأمنية وسياسية حساسة تشمل مصانع ومنصات إطلاق ومقار قيادية إضافة إلى استهداف منشآت خدمية واقتصادية بقصد إحداث ضغط معيشي يسهل للأعداء ضرب تماسك الجبهة الداخلية ويؤثر على الحاضنة الشعبية الداعمة لعمليات اليمن المساندة لفلسطين طوال الفترة الماضية.
وانطلاقاً من هذه المعطيات جاءت العملية الأمنية الكبيرة لتمثل قفزة نوعية في الأداء الاستخباراتي إذ نجحت الأجهزة اليمنية في رصد الاتصالات المشفرة للغرفة وتحليل الإشارات وتتبع التمويل العابر للحدود وهو ما يعكس إجمالاً تحوّل العمل الاستخباراتي اليمني من موقع الدفاع المتأخر الذي لازمه طوال العقود الماضية إلى تحقيق قيمة المبادرة الاستباقية وهي ثمرة لتراكم الخبرات الميدانية والتقنية التي اكتسبتها الأجهزة الأمنية اليمنية خلال سنوات المواجهة مع تحالف العدوان على اليمن ما مكّنها اليوم من اختراق منظومات معادية شديدة التعقيد تابعة لأكبر أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية.
في بيان وزارة الداخلية اليمنية واعترافات أعضاء خلية التجسس التي تم ضبطها لُوحظت مادة توثيقية دالة كشفت أن غرفة العمليات الأمريكية – السعودية – الإسرائيلية المشتركة أقيمت على الأراضي السعودية الأمر الذي يضع الرياض في موقع مساءلة سياسية ودبلوماسية مباشرة خصوصاً أن المعلومات والأدلة الموثّقة بالصوت والصورة تؤكد تولي الرياض أدواراً لوجستية وتدريبية ضمن المشروع التجسسي الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة.
هذا الانكشاف لا يعرّي الدور السعودي الذي يمثل مشاركة فعلية للإسرائيلي والأمريكي في مساعي اختراق الجبهة الأمنية الداخلية لدولة مستقلة فحسب بل يمتدّ في دلالاته وتداعياته إلى شراكة الرياض الكاملة في تكريس حالة الهيمنة الاستخباراتية الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة.
في التداعيات المنظورة يمثل هذا الإنجاز اليمني عنصراً معززاً لثقة الشارع اليمني بأجهزته الأمنية ويرفع منسوب الحذر الشعبي ضد محاولات الاختراق إقليمياً يوجّه تفكيك شبكة التجسس رسالة ردع قوية إلى الأطراف المتورطة في الاختراق ويحوّل النقاش إلى مساءلة علنية عن الدور الاستخباراتي السعودي في ضرب الأمن الاستراتيجي لدول المنطقة خدمةً لأعدائها التاريخيين – الأمريكي والإسرائيلي.
على المستوى الميداني يقلّص تفكيك الشبكة قدرة الخصم – وإن مؤقتاً – على تنفيذ عمليات رصد فعالة ويحقق مكسباً استخباراتياً عملياً لصنعاء عبر مصادرة معدات متقدمة وبيانات حساسة.
دولياً يمنح هذا الانكشاف السعودي أوراق ضغط قانونية وسياسية أمام المؤسسات الدولية خصوصاً في ظل تنامي الأدلة على تورّط الرياض في اختراق الأمن الوطني لعدد غير قليل من دول المنطقة وفي مقدمتها اليمن وسوريا ولبنان.
إزاء هذا الإنجاز اليمني وفي ردّة الفعل المعاكسة قد يدفع انكشاف غرفة العمليات الخارجية الأطراف المتورطة إلى إعادة هيكلة أدواتها كما قد تدفع الصدمة تلك الأطراف إلى محاولات انتقامية – محدودة – في شكل هجمات إلكترونية أو تحركات تخريبية عبر خلايا أخرى محتملة تستهدف منشآت حيوية ما يستدعي من أجهزة الأمن اليمنية رفع مستوى الحماية التقنية والميدانية وتعزيز قدرات الرصد المبكر.
في مجمل القول تكمن أهمية هذا الإنجاز في كونه نقطة تحول في ميزان الصراع الاستخباراتي في المنطقة إذ يضع هذا النجاح الأهم لصنعاء – بالنظر إلى سياق الاشتعال الأمني والعسكري في المنطقة – المشروع الأمريكي الإسرائيلي السعودي تحت وطأة ضغط سياسي وأخلاقي وقانوني متصاعد ويمنح صنعاء موقعاً متقدماً في معادلة الردع الأمني والعسكري بل ويفتح أمامها آفاق بناء شراكات أمنية مشروعة وأكثر حيوية مع دول متضررة من ذات المشروع.













































