الوادي الجديد – محمد الباريسي:

على مر العصور، تحولت صحراء الوادي الجديد إلى شاهد حي على قصص بطولية وصراعات تاريخية، هذه الأرض، التي طالما ابتلعت الغزاة، أصبحت حاليًا قبلة للمستكشفين والمؤرخين من جميع أنحاء العالم، حيث تمثل مقبرة لآمال الجيوش وميدانًا لأهم الاكتشافات الأثرية والتاريخية، وفي هذا التقرير نخص بالذكر منطقة جنوب غرب وغرب واحة الداخلة ومنطقة الجلف الكبير.

جيش قمبيز و الاختفاء الغامض

أكد الخبير الأثري بهجت أحمد أبو صديرة، مدير الآثار السابق بالوادي الجديد، أنه بدأت قصة الصحراء الغربية منذ آلاف السنين، عندما حاول جيش قمبيز الثاني، ملك الأخمينيين الفرس، غزو مصر، إلا أن هذا الجيش اختفى في ظروف غامضة بعد أن ابتلعتهم الصحراء في واحدة من أعظم ألغاز التاريخ.

استكشاف الجلف الكبير

يقول محمود عبد ربه، جامع التراث والتاريخ الواحاتي وصاحب مؤلفات تاريخ الواحات، إنه بعد أكثر من ألفي عام، عاد الأمير كمال الدين حسين، ابن السلطان حسين، ليترك بصمته على هذه الأرض، في عام 1925، قاد الأمير رحلة استكشافية ضخمة لاستكشاف هضبة الجلف الكبير، مستخدمًا سيارات ستروين Kegresse نصف مجنزرة و500 جمل لحمل المؤن.

وأكد محمود، أن هذه الرحلة كانت بمثابة إنجاز علمي وتاريخي كبير، حيث كشف عن ملامح جديدة للصحراء الغربية، وابتكر تقليدًا استكشافيًا استمر لعقود طويلة، آخر هذه الرحلات كانت 'بعثة كمال، على خطى الأمير'، التي ضمت 34 سيارة و92 مشاركًا من دول مختلفة.

حطام الجيوش

أكد محمود عبد ربه، المتخصص في تراث وتاريخ الوادي الجديد، أنه خلال الحرب العالمية الثانية، شهدت الصحراء الغربية معارك شرسة بين قوات الحلفاء ودول المحور، وعلى الرغم من أهمية المنطقة الاستراتيجية، فإن الصحراء كانت عاملًا رئيسيًا في تحطيم طموحات الغزاة.

وأضاف حنفي، أنه جرى العثور على حطام سيارات عسكرية، مثل فورد موديل A وشاحنات تابعة لقوات Long Range Desert Group البريطانية، التي تُظهر كيف كانت الصحراء بيئة قاسية دمرت الآليات العسكرية وأحبطت الخطط الهجومية.

اكتشافات جديدة في قلب الصحراء

أضاف عبد ربه، أنه في مارس 2022، وثق الرحالة 'هانو سبويلسترا' حطام سيارة فورد F30 وسيارة شيفروليه C60L، التي تعود للحرب العالمية الثانية، في منطقة جبل العوينات، هذا الاكتشاف، بعد أكثر من 80 عامًا، أظهر كيف تظل الصحراء شاهدة على بقايا الحروب.

كبسولة زمنية من الحرب العالمية

أكد عبد ربه، أنه في خطوة وصفها الخبراء بـ'المعجزة'، جرى العثور على الطائرة البريطانية 'كيتيهوك بي-40' في الصحراء الغربية، هذه الطائرة، التي اختفت عام 1942، وُجدت بحالة جيدة بشكل ملحوظ. الطيار، السرجنت دينيس كوبينغ، هبط اضطراريًا، لكن لم يُعثر على جثته حتى الآن، وجرى حاليًا نقل الطائرة إلى متحف العلمين الحربي لعرضها كجزء من تاريخ المنطقة المليء بالقصص.

كنز الباحثين والمستكشفين

لم تعد صحراء الوادي الجديد مجرد مقبرة للغزاة، بل أصبحت وجهة لاستكشاف الكنوز التاريخية، من اكتشافات للأمير كمال الدين إلى بقايا المعدات العسكرية، تسهم هذه الاكتشافات في تعزيز السياحة الصحراوية وإعادة تسليط الضوء على أهمية المنطقة كمركز تاريخي وجغرافي.

ختاما صحراء الوادي الجديد ليست مجرد امتداد شاسع من الرمال، بل هي كتاب تاريخ مفتوح، يروي قصص الغزاة والمستكشفين، ومن جيش قمبيز الثاني إلى الطائرة المفقودة، تظل هذه الأرض شاهدًا على قدرة الطبيعة على قهر أعظم الجيوش وحفظ ذاكرة البشر للأجيال القادمة.