اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٧ أيار ٢٠٢٥
في تطور خطير يعكس هشاشة الاستقرار الإقليمي في جنوب آسيا، شنت الهند في الساعات الأولى من صباح اليوم الأربعاء ، هجوماً صاروخياً مفاجئاً استهدف مناطق داخل الأراضي الباكستانية، في خرق واضح لخط وقف إطلاق النار بإقليم كشمير المتنازع عليه.
ويأتي هذا الهجوم في وقت تتصاعد فيه التوترات بين الدولتين النوويتين عقب حادث إرهابي وقع قبل أسابيع، وأثار مخاوف من انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.
ورغم دعوات المجتمع الدولي لضبط النفس، تشير المعطيات الميدانية والتحليلات الاستراتيجية إلى تصعيد غير مسبوق يُهدد بإعادة إشعال فتيل صراع مدمر، قد يتجاوز حدود كشمير ويهدد الأمن العالمي.
ويستعرض هذا التقرير أبعاد التصعيد العسكري، والردود المتبادلة، والمواقف الدولية، إلى جانب سيناريوهات الحرب المحتملة بين نيودلهي وإسلام آباد.
شنت القوات الهندية في ساعة مبكرة من يوم الأربعاء هجوماً صاروخياً مفاجئاً ، استهدف تسع مواقع في منطقتي جامو وكشمير الخاضعتين للسيطرة الباكستانية. ووفقاً للجيش الهندي، فإن القصف استهدف 'بنى تحتية إرهابية'، دون المساس بمنشآت عسكرية، مؤكداً أن الهجوم كان 'محسوباً وغير تصعيدي'، كما وصفته الحكومة الهندية. وأضاف الجيش الهندي في بيان له عبر منصة 'إكس': 'تم تحقيق العدالة'.
من جهته، أعلن الجيش الباكستاني، أن الهجوم أسفر عن مقتل ثمانية مدنيين وإصابة 43 آخرين، نافياً بشدة الادعاءات الهندية.
وأكد وزير الدفاع الباكستاني، خواجة محمد آصف، أن المناطق التي تعرضت للقصف كانت 'مدنية بالكامل'، مشيراً إلى أن 'الهجوم كان جباناً وغير مبرر'.
عقب ذلك، أعلن رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، بدء رد عسكري انتقامي، تلاه قصف متبادل على طول خط وقف إطلاق النار في إقليم كشمير، ما أعاد إلى الأذهان مشاهد الاشتباكات الدموية التي لطالما ميّزت العلاقة المتوترة بين البلدين.
يعود التصعيد الحالي إلى هجوم إرهابي وقع بتاريخ 22 أبريل الماضي في منطقة باهالجام الواقعة ضمن الجزء الهندي من كشمير، أسفر عن مقتل 26 سائحاً. وجهت نيودلهي أصابع الاتهام إلى جماعة 'مقاومة كشمير' المدعومة –بحسبها– من باكستان، وهو ما نفته إسلام آباد جملة وتفصيلاً، مقترحة التعاون في تحقيق دولي محايد.
غير أن الهند قررت المضي في التصعيد، بطرد دبلوماسيين باكستانيين وإغلاق أحد المعابر الحدودية الحيوية، بالإضافة إلى تعليق العمل باتفاقية 'نهر السند' التي تنظم تقاسم المياه بين البلدين.
وجاء الرد الباكستاني بالمثل، حيث قامت بطرد دبلوماسيين هنود وإغلاق حدودها ومجالها الجوي أمام الطائرات الهندية، فضلاً عن تعليق التجارة الثنائية.
ولطالما كان إقليم كشمير ساحة مفتوحة للمواجهات العسكرية، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، إذ خاضا ثلاث حروب كبرى – معظمها بسبب النزاع على هذه المنطقة.
1. الحرب الرمزية
بحسب المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، فإن تطور الوضع إلى حرب شاملة بين الهند وباكستان يبقى احتمالاً ضعيفاً في ظل توازن الردع النووي بين الطرفين. ويرجّح المركز أن المواجهة ستبقى ضمن 'حرب رمزية' تقتصر على ضربات جوية واشتباكات محدودة على طول خط السيطرة في كشمير، دون اللجوء إلى غزو بري أو عمليات واسعة النطاق.
ويضيف المركز أن امتلاك البلدين ترسانة نووية ضخمة يجبر كلاً منهما على تجنب أي مغامرة قد تؤدي إلى دمار شامل، ويؤكد أن الضغوط الدولية والداخلية ستعمل على كبح أي تصعيد شامل.
2. الحرب الشاملة
مع أن الردع النووي يبقى عاملاً قوياً، يحذر محللون من أنه لم يمنع في الماضي وقوع مواجهات عنيفة بين البلدين. ففي عام 1999، اندلع صراع كارغيل رغم القدرات النووية، ما يدل على إمكانية انزلاق الأوضاع نحو حرب محدودة.
ويشير خبراء إلى أن تحول الصراع إلى 'حرب شاملة' قد يحدث فقط إذا تعرض أحد الطرفين لهزيمة ميدانية كبرى تدفعه إلى اتخاذ قرارات متطرفة.
3. الخيار النووي
يبقى خيار استخدام الأسلحة النووية الأكثر رعباً في سيناريوهات التصعيد. ويؤكد خبراء غربيون أن الهند وباكستان لن تلجآ إليه إلا إذا شعرت إحداهما بأن هزيمتها وشيكة، مشيرين إلى أن مثل هذا الخيار سيُستخدم فقط إذا 'دُفِع الطرف إلى الجدار'.
من جانبه، يقول مؤيد يوسف، زميل مركز بيلفر للأبحاث ومستشار الأمن القومي الباكستاني السابق، إن جنوب آسيا تُعدّ 'أخطر بؤرة نووية محتملة في العالم'، محذراً من أن أي صراع خارج السيطرة قد ينتهي بكارثة نووية.
منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى سدة الحكم في يناير الماضي، اتسمت السياسة الأمريكية بالابتعاد عن التورط المباشر في النزاعات الدولية. واكتفى ترامب بالتعليق على التوتر الهندي–الباكستاني قائلاً: 'سوف يتدبرون الأمر بأنفسهم بطريقة أو بأخرى'.
ورغم تحفظ واشنطن، أعلن مجلس الأمن القومي الأمريكي أن وزير الخارجية ماركو روبيو أجرى محادثات مع نظيريه في الهند وباكستان، وحثهما على فتح قنوات التواصل لخفض التوتر.
أعلنت بكين تأييدها لموقف باكستان، وأكد وزير الخارجية وانج يي دعم بلاده لإسلام آباد ومساعدتها في حماية سيادتها، داعياً في الوقت ذاته إلى ضبط النفس وإجراء تحقيق مستقل في هجوم باهالجام.
أبدت روسيا قلقها من تطور الأوضاع، وأعرب المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف عن أمل موسكو في أن تُخفض الدولتان التوتر. وقد عرض وزير الخارجية سيرجي لافروف وساطة بلاده، رغم أن روسيا تظل المورد الأكبر للأسلحة للهند.
أعربت المفوضية الأوروبية عن قلقها البالغ من التوتر المتصاعد، داعية الطرفين إلى التفاوض. وجرى بالفعل اتصالات دبلوماسية بين مسؤولين أوروبيين ونظرائهم في نيودلهي وإسلام آباد.
وفق مركز 'جلوبال كونفليكت تريكير'، فإن التصعيد الحالي يأتي في لحظة إقليمية ودولية حرجة. ففي جنوب آسيا، لا تزال كشمير بؤرة توتر دائمة، بينما يمثل ملف المياه مصدر توتر إضافي في ظل تغيّر المناخ والضغط على الموارد.
أما دولياً، فقد كشف هذا التصعيد مدى هشاشة الاستقرار النووي العالمي، حيث تتشتت جهود القوى الكبرى بين نزاعات مختلفة، بينما تظل منطقة جنوب آسيا دون ضغط دبلوماسي متكامل يضمن التهدئة.
رغم المؤشرات الميدانية المقلقة، يرى معظم الخبراء أن خيار الحرب الشاملة –خصوصاً النووية– لا يزال مستبعداً في الوقت الحالي، ما لم تُدفع إحدى الدولتين إلى حافة الهزيمة. إلا أن استمرار الاشتباكات وغياب المبادرات السياسية الجادة يُبقي الأوضاع مفتوحة على احتمالات متعددة، ما يفرض على المجتمع الدولي تحركاً عاجلاً لوقف الانزلاق نحو هاوية لا تُحمد عقباها.