اخبار اليمن
موقع كل يوم -الأمناء نت
نشر بتاريخ: ٢٥ كانون الأول ٢٠٢٥
تشهد الساحات الجنوبية اليوم حراكا وطنيا واسعا يعكس وعيا شعبيا متقدما وثقة متزايدة بقرب استعادة الدولة الجنوبية ، في ظل انتصارات عسكرية وسياسية غيّرت موازين القوى ورسّخت حضور الجنوب كفاعل رئيسي في المشهد . هذه اللحظة التاريخية ، بما تحمله من فخر واعتزاز ، تفرض في الوقت ذاته مسؤولية عالية في إدارة القرار الوطني بعيدا عن الاندفاع العاطفي .
إن حق الجنوب في إستعادة دولته حق ثابت ولا رجعة عنه ، وقد تعمد بتضحيات جسيمة وشعب صامد لم يتخلَّ عن قضيته . غير أن جوهر التحدي اليوم لا يكمن في مبدأ الاستعادة ، بل في كيفية وتوقيت تجسيد هذا الحق . فالدولة ليست بيان إعلان أو لحظة انفعال ، بل كيان متكامل سياسيا وقانونيا واقتصاديا وأمنيا ، لا يكتب له الإستمرار إلا إذا وُلد في ظروف ناضجة تضمن بقائه واعترافه .
نعم الانتصارات الأخيرة تمثل رافعة قوية في مسار استعادة الدولة ، لكنها ليست نهاية الطريق . ولتحويل هذه المكاسب إلى دولة مستقرة ومعترف بها يتطلب عملا متدرجا ، طويل النفس ، يراكم الإنجازات بدل استهلاكها في خطوة واحدة قد تكون سابقة لأوانها . فالتجارب الدولية تؤكد أن التسرّع في إعلان الدول غالبا ما يقود إلى العزلة أو الهشاشة أو الصراعات الطويلة .
وعليه ، فإن المطالب الشعبية والنخبوية بإعلان الدولة ، رغم مشروعيتها الوطنية ، تحتاج إلى مقاربة عقلانية تطرح السؤال الصحيح : متى نعلن الدولة ، وكيف نضمن قدرتها على العيش وخدمة شعبها ؟
فالقيادة الجنوبية بقيادة الرئيس القائد عيدروس الزبيدي مطالبة اليوم بالموازنة بين ضغط الشارع المشروع ومتطلبات القرار السيادي المسؤول ، لأن أي خطوة غير محسوبة قد تحوّل النصر إلى عبء وتمنح الخصوم أدوات ضغط إضافية .
كما أن السياق الإقليمي والدولي لا يمكن تجاهله ، إذ تنظر دول الجوار والمجتمع الدولي إلى أي كيان جديد من زاوية الاستقرار والأمن والقدرة على الإدارة .
وكسب القبول الخارجي لا يتحقق بالشعارات ، بل ببناء نموذج دولة مسؤولة ، موحدة القرار ، قادرة على ضبط الأمن ، وإدارة المؤسسات ، وتقديم الخدمات .
إن اختزال مشروع الدولة في لحظة إعلان ، أو تصوير الحكمة على أنها تراخي أو تراجع ، يمثل خطرا على القضية ذاتها .
فالقضايا العادلة لا تُقاس بسرعة القرارات ، بل بقدرتها على الصمود وتحقيق مصالح شعوبها .
أخيرا ، الدولة الجنوبية قادمة لا محالة ، وقد حُسم أمرها شعبيا وتاريخيا ، لكن الواجب الوطني يقتضي أن تولد دولة قوية ، معترفا بها ، وقادرة على الاستمرار .
وبين العاطفة والقرار ، تبقى الحكمة هي الطريق الأضمن ، فالأوطان تُبنى بالعقل كما تُحمى بالتضحيات .
لنستمر بحشودنا ، ونلح في مطلبنا ، ونترك أمر إعلانه لقيادتنا













































