أشعلت قمة الناتو في لاهاي (٢٤-٢٥ يونيو ٢٠٢٥) نقاشًا حول الميزانيات الدفاعية، إذ تعهد الحلفاء برفع الإنفاق إلى ٥٪ من الناتج المحلي بحلول ٢٠٣٥، مقارنة بالهدف السابق (٢٪)، بضغوط من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لـ'تقاسم عادل' ومخاوف من التهديدات الروسية. فهل تستطيع بريطانيا ومنطقة اليورو تحمل هذا العبء دون أزمة اقتصادية وسط مواجهة الحلفاء لهذا التحدي المالي الضخم؟

بريطانيا: مأزق البريكست يواجه اختبار الدفاع

يوزع الهدف بنسبة ٣.٥٪ من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع الأساسي (القوات، والأسلحة) و١.٥٪ أخرى على تدابير الدعم (تشمل الأمن السيبراني، والبنية التحتية)، وهي قفزة كبيرة عن المستويات الحالية. وكان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر قد تعهد بالوصول إلى ٤.١٪ بحلول ٢٠٢٧ و٥٪ بحلول ٢٠٣٥، اي ٣٠ مليار جنيه إسترليني إضافية سنويًا، أي عبء على اقتصاد ما بعد 'بريكست' الذي يكافح لتوفير مخصصات الرعاية الصحية والتعليم، كما تساهم خطة بريطانيا لشراء مقاتلات إف-٣٥ بي المجهزة لحمل أسلحة نووية تكتيكية، في مضاعفة العبء والتكاليف، وسط توقعات بارتفاع العجز بنسبة ٢-٣٪ سنويًا، مما يزيد أسعار الفائدة، وفقًا لصحيفة الجارديان واحتمال إثارة غضب الجمهور إذا أثرت على الخدمات الأساسية، وفقًا لموقع بي بي سي نيوز، ما يجعل الإنفاق الدفاعي رهانًا محفوفًا بالمخاطر.

فرنسا: حرب الأرقام بين الدفاع والاستقرار

يتعين على ألمانيا وفرنسا الموازنة بين الدفاع والحفاظ على الرفاهية الاجتماعية، وحذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أن الإنفاق الدفاعي قد يرفع التضخم إذا لم يتم موازنته، وفقًا لصحيفة لو موند. وأشار إلى أن الإنفاق المفرط قد يثير اضطرابات اجتماعية، وفقًا لصحيفة لا كروا.

ويدعم ماكرون التعاون الأوروبي في التكنولوجيا الدفاعية، وفقًا لصحيفة لوفيجارو، مع التركيز على الأمن السيبراني والابتكارات لتخفيف الأعباء المالية.

إسبانيا: إعفاء وتمرد على الهدف يثير غضب ترامب

فيما رفض رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز هدف الـ ٥٪، معتبرًا إياه 'غير قابل للتنفيذ'، وحصل على استثناء بعد مفاوضات، وأكدت وزيرة الدفاع مارجاريتا روبليس أن نسبة ٢.١٪ كافية لاحتياجات الناتو دون الإضرار بالبرامج الاجتماعية، وفقًا لصحيفة لا فانجوارديا.

وقد يستلزم تحقيق الهدف خفضًا جذريًا في الإنفاق الاجتماعي أو زيادات ضريبية، وفقًا لصحيفة إل باييس الإسبانية. كما تدعم الوزيرة الاستثمار في الأمن السيبراني لتجنب الحروب السيبرانية المكلفة، وبدوره، انتقد ترامب إسبانيا، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة تنفق ٣.١٪، إلا أن الأمين العام للناتو، مارك روته، حاول تخفيف التوتر بين ترامب ومدريد بتعديل صياغة البيان الصادر عن القمة، وفقًا لموقع حلف الناتو على شبكة الويب.

ألمانيا: تعديل الدستور إذا لزم الأمر لصد الدب الروسي

ودعم المستشار فريدريش ميرز هدف الـ ٥٪ لكنه حذر من تحديات التمويل، وذكر أنه يخطط لتعديل الدستور لتوفير ١٥٣ مليار يورو بحلول ٢٠٢٩، كما يدعم استثمارات في طائرات بدون طيار معتمدة على الذكاء الاصطناعي، قد توفر ٢٠٪ من تكاليف العمليات بحلول ٢٠٣٠، ووفقًا لصحيفة زوددويتشه تسايتونج، فإن زيادة الإنفاق قد ترفع التضخم في منطقة اليورو بنسبة ١.٥٪ بحلول ٢٠٣٠، وهو توقع تؤيده صحيفة دي تسايت.

البرتغال: التعاون المشترك كمفتاح النجاة

وأكد رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أن البرتغال مستعدة لتجاوز ٢٪ في ٢٠٢٥، ودعا إلى تمويل مشترك لتخفيف الأعباء الاقتصادية، ولفت إلى التعاون في الأمن السيبراني كوسيلة لخفض التكاليف بنسبة ١٥٪، وفقًا لصحيفة كوريو دا مانها. كما يرى أن التمويل المشترك يحد من التوترات الاجتماعية، وفقًا لصحيفة جورنال دي نوتيسياس.

إيطاليا: مرونة وسط عاصفة الديون

فيما ترى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني الهدف قابلًا للتحقيق مع المرونة، وفقًا لصحيفة إل فاتو كوتيديانو. وتواجه إيطاليا، بديون عامة تتجاوز ١٤٠٪ من الناتج المحلي، ضغوطًا لإعادة هيكلة الميزانيات، وفقًا لصحيفة لا ريبوبليكا. وتدعم ميلوني الاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنفاق، وفقًا لصحيفة لا ستامبا، بينما ساعدت المرونة في الجدول الزمني على قبول الهدف.

دول البلطيق: حصن الناتو في مواجهة التهديد

وتقود دول البلطيق (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا) الجهود لتحقيق أهداف الإنفاق الدفاعي بسبب قربها من روسيا. وفقًا لتقرير بلطيق تايمز، فتخصص إستونيا ٣.٢٪ من ناتجها المحلي للدفاع في ٢٠٢٤، مع خطط للوصول إلى ٤٪ بحلول ٢٠٢٧، بينما تلتزم ليتوانيا ولاتفيا بمستويات مماثلة، وتشير صحيفة دلفي الليتوانية إلى أن هذه الدول تدفع لجدول زمني أسرع لتعزيز الردع ضد التهديدات الروسية، مما يضعها في صدارة الحلفاء الملتزمين بأهداف الناتو، وطالب حلفاء شرق أوروبا مثل بولندا بجدول زمني أسرع، وفقًا لموقع سي إن إن. وأشار رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إلى أن قرب بولندا من روسيا يبرر إنفاقها، يضغط على دول غرب أوروبا.

اليونان والدول الأخرى: صراع من أجل التوازن

أما اليونان، فتواجه ضغوطًا لزيادة إنفاقها الدفاعي، فإن اقتصادها الذي لا يزال يتعافى من الأزمات السابقة يجعل تحقيق هدف الـ ٥٪ صعبًا. وفقًا لصحيفة كاثيميريني، تسعى اليونان لرفع إنفاقها الدفاعي إلى ٢.٥٪ بحلول ٢٠٢٨، مع التركيز على تحديث القوات البحرية والجوية، لكن القيود المالية تحد من التقدم السريع، ويدعم رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر زيادة تدريجية إلى ٣.٥٪، وفقًا لصحيفة كورييري ديلا سيرا.

التكاليف الاقتصادية والسياسية: السير على حبل مشدود

يبدو أن زيادة الإنفاق الدفاعي ستهدد الاقتصادات المحلية، وقد تحفز الصناعة الدفاعية لكنها تستنزف الاستثمارات في الطاقة الخضراء، التي تعتبرها أوروبا أولوية قصوى، كما حذرت نقابات عمالية في بريطانيا من احتجاجات مشابهة لعام ٢٠١٠، وفقًا لصحيفة التليجراف، أما تهديد ترامب بتقليص الدعم الأمريكي (إذ تتحمل واشنطن ما يقرب من 70% من إجمالي نفقات الناتو الدفاعية).

ويستند هدف ٥٪ إلى تصاعد التوترات مع روسيا. ويرى الناتو أن زيادة الإنفاق ضرورية لردع تحركات روسيا في أوكرانيا وتهديدات موسكو لدول البلطيق، وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز. وأكد روته أن الهدف هو منع التصعيد الروسي، وقد تساهم التقنيات الناشئة في تخفيف الضغط المالي. الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني يمكن أن يقللا التكاليف، بما في ذلك تكاليف صيانة الطائرات، وفقًا لفينانشيال تايمز.

عثرات تاريخية

فيما واجه هدف 2% في العام ٢٠١٤ صعوبات، خاصة في ألمانيا وإيطاليا، وفقًا لموقع بوليتيكو، وأجبرت الأزمة المالية عام ٢٠٠٨ دول اليورو على تقليص الإنفاق الدفاعي، وفقًا لمجلة لوبوان، ويبدو أن تحقيق الهدف يتطلب حلولًا إبداعية. قد تلجأ بريطانيا إلى زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق العام، وفقًا لصحيفة الإندبندنت. يمكن لدول منطقة اليورو استكشاف تمويل دفاعي مشترك، وفقًا لصحيفة إل كونفيدينسيال. كما أن اتباع نهج تدريجي مع الاتفاق بشأن مراجعة في ٢٠٢٩ يوفر قدرًا من المرونة، ولكن التأخير في توفير التمويل قد يضعف قدرة الناتو على الردع، وفقًا لموقع سي إن بي سي، وبحلول ٢٠٣٥، يتوقف النجاح على مزج الحذر المالي بالابتكار الاستراتيجي.