في خضم تعقيدات الأزمة اليمنية التي أنهكت البلاد وشعبها لأكثر من عقد من الزمن، تبرز سلطنة عُمان كـ 'نقطة الضوء الوحيدة' على خريطة الوساطات الإقليمية والدولية.

إذ تُواصل مسقط، بحكمة دبلوماسية نادرة وحياد ثابت، حفر نفق الأمل نحو السلام، مؤكدة مجدداً من خلال الزيارة الأخيرة للمبعوث الأممي وللمفاوضات المتقدمة بين الأطراف الرئيسية، أنها اللاعب الإقليمي الأكثر فاعلية وإصراراً على إنهاء المعاناة اليمنية.

حياد ثابت وعلاقات متوازنة

تمتلك عُمان رصيداً فريداً من الثقة لدى جميع الأطراف اليمنية (الحكومة المعترف بها دولياً، جماعة أنصار الله 'الحوثيون')، وكذلك لدى الدول الإقليمية الفاعلة (السعودية، إيران، الإمارات). هذا الحياد، المتراكم عبر سنوات من السياسة الخارجية الحكيمة، هو الركيزة الأساسية التي تمكنها من استضافة الحوارات وتقريب وجهات النظر.

ولم تكن زيارة المبعوث الأممي هانس غروندبرج الأخيرة إلى مسقط سوى حلقة في سلسلة طويلة. فقد استضافت السلطنة أكثر من 10 جولات مفاوضات (سرية وعلنية) خلال العامين الماضيين فقط، تحولت فيها إلى 'غرفة عمليات دبلوماسية' لا تنطفئ أنوارها.

وعلى مدى الفترات الماضية، نجحت مسقط في لعب دور الجسر الحيوي، لا سيما في 'المفاوضات السعودية – الحوثية'، حيث تشير مصادر مطلعة إلى 'تقدم كبير' و'نقاط تقارب غير مسبوقة' في الملفات العالقة، وهو ما يُنظر إليه على نطاق واسع كـ 'الاختراق الأهم' على طريق السلام، ويُعتبر خطوة تاريخية نحو إنهاء الحرب.

تخفيف التصعيد الإقليمي

لقاءات غروندبرج في مسقط شملت مسؤولين عُمانيين وإيرانيين وقيادات حوثية، سعياً لخفض التصعيد، وخاصة فيما يتعلق باستهداف السفن والهجمات المتبادلة في البحر الأحمر، ووقف العمليات العدائية بين الحوثيين والولايات المتحدة.

وقد ركزت زيارة هانس جروندبرج إلى مسقط على تحريك المسار السياسي، وتنشيط المفاوضات بقيادة الأمم المتحدة للوصول إلى حل دائم وشامل، وتثبيت الهدنة، والعمل على ترسيخ الهدنة القائمة وترجمتها إلى تقدم مستدام ينفع جميع اليمنيين، والمطالبة بالإفراج عن المحتجزين.

وخلال الزيارة جدد جروندبرج الدعوة للإفراج الفوري وغير المشروط عن موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمحتجزين تعسفاً لدى الحوثيين، مشدداً على أن استمرار احتجازهم يقوض جهود السلام والإغاثة.

عُمان والإرادة السياسية

بينما تقدم عُمان والأمم المتحدة الأرضية والدعم، تؤكد مسقط باستمرار أن 'الكرة في ملعب الأطراف اليمنية'، إذ أن الزيارات الدبلوماسية الحثيثة والمفاوضات المتقدمة تضع على عاتق الفرقاء اليمنيين مسؤولية تاريخية لاختبار جديتهم الحقيقية في السعي نحو السلام وإنهاء معاناة شعبهم في الشمال والجنوب.

وفي وقت تتصاعد فيه المخاوف الإنسانية وتستمر تداعيات الحرب المدمرة، تُضيء جهود سلطنة عُمان الدؤوبة والمتواصلة بصيص أمل جديد للشعب اليمني.

دور مسقط كوسيط محايد وفعال لم يعد محل شك، بل هو إحدى القلائل القادرة على جمع الأطراف المتناحرة على طاولة واحدة. التقدم في المفاوضات السعودية - الحوثية تحت الوساطة العُمانية، والتنسيق الوثيق مع المبعوث الأممي، يمثلان إشارات إيجابية قوية.

ومع ذلك، يبقى الطريق طويلاً، وتقع المسؤولية الأكبر الآن على القادة اليمنيين لإثبات إرادتهم الحقيقية لطي صفحة الحرب وفتح باب السلام الدائم، مستفيدين من الجسر الآمن الذي تبنيه عُمان بحكمة وصبر لا يكلان. إن استمرار التزام مسقط بدورها الحيوي هو شريان الحياة الرئيسي لأي أمل واقعي في إنهاء أكبر مأساة إنسانية في المنطقة.