اخبار اليمن
موقع كل يوم -شبكة الأمة برس
نشر بتاريخ: ١٧ حزيران ٢٠٢٥
قال موقع “ميديابارت” الاستقصائي الفرنسي، إن الحرب التي أعلنها بنيامين نتنياهو ضد إيران غيّرت كل شيء بالنسبة للدبلوماسية الفرنسية. فقد تم تأجيل مؤتمر نيويورك، وبات الاعتراف بدولة فلسطين بعيد المنال، وعادت باريس إلى الصفوف الأمامية في دعم إسرائيل.
ففي تغيّر في البرنامج يحمل دلالة رمزية كبيرة، ألغى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الكلمة التي كان من المقرر أن يخصصها مساء يوم الجمعة الماضي حول فلسطين والسلام في الشرق الأوسط وحل الدولتين، ليستبدلها بمؤتمر صحافي خُصص للوضع في الشرق الأوسط بعد الغارات الإسرائيلية على إيران فجر اليوم نفسه، يضيف “ميديابارت”، مُشيرا إلى أنه قبل أن يطرح الصحافيون أي سؤال، أراد الرئيس الفرنسي أن يكون واضحا وجدّيا، حيث قال: “لإسرائيل، مثلها مثل أي شعب، الحق في أن تعيش متحررة من الخوف من الإبادة ومن الخطر”. ففي ذلك اليوم وما تلاه، وجهت فرنسا كلماتها الأكثر حدة إلى طهران، معتبرةً أنها “تتحمل مسؤولية كبيرة في زعزعة استقرار المنطقة” بسبب “تسريع برنامجها النووي والبالستي”.
خلال المؤتمر الصحافي نفسه، أعلن ماكرون رسميا تأجيل المؤتمر الخاص بالاعتراف بدولة فلسطين، الذي كان من المقرر أن يترأسه بالشراكة مع ولي العهد السعودي، من 18 إلى 20 يونيو الجاري في نيويورك. وبرّر ماكرون ذلك قائلا: “ما معنى عقد مثل هذا المؤتمر إذا كان جميع قادة المنطقة مضطرين للبقاء في بلدانهم، لأسباب واضحة؟”.
هكذا تم محو الخطوات الدبلوماسية الفرنسية في غضون ساعات قليلة بفعل الضربات الإسرائيلية ضد إيران. وتم تهميش احتمال اعتراف فرنسا بدولة فلسطين، على الأقل مؤقتا. وتُرك الخلاف بين ماكرون ونتنياهو، الذي دام شهرين، خلفهما مع مكالمة هاتفية تصالحية. وحان وقت إعادة النظر في المواقف، على ضوء ما وصفه الرئيس الفرنسي يوم الجمعة بأنه “مرحلة جديدة”، يقول “ميديابارت”.
“انقلاب سياسي”
تابع “ميديابارت” القول إن العقيدة الفرنسية الجديدة تبدو وكأنها تمرين دبلوماسي على التناقضات. ففي نفس التصريح، أكد الرئيس الفرنسي استعداد بلاده لـ“المشاركة في عمليات حماية والدفاع عن إسرائيل”، مع تجديد رفضه لـ“الحصار الإنساني غير المبرر” الذي تفرضه إسرائيل على سكان غزة، ورفضه المشاركة في “أي عملية هجومية”.
وصف أوليفييه فور، السكرتير الأول للحزب الاشتراكي، هذا الموقف بأنه “غامض”. أما برنار أوركاد، الباحث الفخري في المركز الوطني للبحث العلمي والمتخصص في الشأن الإيراني، فرأى فيه “تحولاً سياسياً كبيراً ومفاجئاً جداً”، قائلا: “الرئيس ماكرون هو أول رئيس في تاريخ فرنسا يدعم دولة معتدية بهذا الشكل. هذا لا يشبه أبداً تقاليد الدبلوماسية الفرنسية، بل هو انحياز لموقف نيوليبرالي يعود لسنوات الألفين”.
اعتبر “ميديابارت” أن محاولات ماكرون الكلامية لتجميل موقفه، والتي سيكررها على الأرجح خلال قمة مجموعة السبع في كندا، لم تُخف انحياز فرنسا لموقف إسرائيل الذي يُضخّم الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني. والضربات الإسرائيلية، التي نُفذت دون حتى إبلاغ باريس، نالت نوعاً من المباركة من الرئيس الفرنسي، الذي أشاد بـ“نتائج تصب في الاتجاه المطلوب”.
رغم أن هذا الانحياز قد يبدو مفاجئا في هذا التوقيت، فإنه ليس جديدا، يوضّح “ميديابارت”، مُشيرا إلى أنه في الفترة بين عامي 2013 و2015، خلال مفاوضات الاتفاق النووي التي أطلقتها الولايات المتحدة، كانت فرنسا تتبنى أكثر المواقف تشددًا تجاه طهران. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أثنى وقتها بشدة على موقف وزير الخارجية الفرنسي آنذاك لوران فابيوس.
بعد مرور عقد من الزمن، ما تزال الخطوط العريضة للسياسة الفرنسية كما هي، وكذلك الشخصيات الأساسية. فالمستشار الدبلوماسي الرئيسي لماكرون، إيمانويل بون، كان وقتها مستشارا للشرق الأوسط لدى فرانسوا هولاند، وزميلته آن-كلير لوجاندر، كانت تشغل نفس المهمة لدى فابيوس.
وباسم خطورة وطبيعة التهديد “الوجودي” الذي يشكله “البرنامج النووي الإيراني” بحسب وصف ماكرون، ترى فرنسا أن الوقت ليس مناسباً لإدانة الوسائل التي يستخدمها نتنياهو. هذا الموقف يُنتقد بشدة من قبل اليسار، الذي يطالب الحكومة بـ“إدانة استخدام القوة” كما قالت مارين تونديلييه، الأمينة الوطنية لحزب الخضر. في حين، تساءل مانويل بومبار، منسق حزب “فرنسا الأبية”: “إذا لم تدافع فرنسا عن القانون الدولي في هذه المرحلة التي يتعرض فيها للتقويض، فمن سيفعل؟”.
انقلاب رابح لنتنياهو
مضى “ميديايارت” قائلا إنه من وجهة نظر بنيامين نتنياهو، يبدو النصف الأول من شهر يونيو الجاري وكأنه انقلاب غير متوقع. فقد كان من المفترض أن يلتقي الأمريكيون والإيرانيون يوم الأحد في سلطنة عمان لمواصلة مفاوضات البرنامج النووي. كما أن المجتمع الدولي كان على موعد، من الثلاثاء إلى الجمعة، في نيويورك، مع مؤتمر مهم حول الاعتراف بدولة فلسطين وحل الدولتين. لكن إسرائيل قلبت أجندة دبلوماسية كانت ضد مصالحها، من خلال شنّ هجومها المفاجئ على طهران، حيث أجبر فتح جبهة مع إيران حلفاء إسرائيل الغربيين، الذين أصبحوا أكثر انتقادا لها، على التكاتف مجددا. وعلّق جان- بول شانولا، مدير معهد iReMMO للأبحاث حول الشرق الأوسط والمتوسط، قائلا: “الفرنسيون مثل بقية الغربيين: وقعوا في فخ نتنياهو”.
“ميديابارت”، تابع قائلا إنّ اللغة الدبلوماسية تغيّرت في أروقة السلطة بباريس، حيث يعد الاعتراف بدولة فلسطين “واجباً أخلاقياً”، بل أصبح مجرد أداة تفاوض، وخياراً دبلوماسياً بين خيارات أخرى. وعاد مستشارو الرئاسة إلى اتخاذ كافة الاحتياطات للابتعاد عن اتخاذ خطوة لن يقدم عليها ماكرون مبكرًا، وبشكل منفرد، و“من دون أثر حقيقي“ على الأرض.
خلال مؤتمره الصحافي يوم الجمعة، أكد الرئيس الفرنسي مع ذلك أن تأجيل مؤتمر نيويورك ليس سوى “مسألة تنظيم وجدولة”، وبرّر هذا التأجيل بـ“أسباب لوجستية وأمنية”، مشددا على أنه “لا يمكن أن يُفهم على أنه تراجع” عن عزم فرنسا على الاعتراف بدولة فلسطين، يشير “ميديابارت”.
لكن “ميديابارت” رأى أن هذا التفاؤل لا يقنع من يتابع الملف عن كثب، لا سميا وأن المؤتمر كان يبدو محكوماً عليه بالفشل. فبعد أن تخيل ماكرون حركة دبلوماسية واسعة تشمل إصلاح السلطة الفلسطينية، واعترافاً من فرنسا وعدة قوى غربية (اليابان، بريطانيا، كندا…) بدولة فلسطين، وخطوة نحو اعتراف قوى عربية كبرى بإسرائيل، اصطدم الواقع بتعنت نتنياهو وحجم المجازر في غزة.
تراجعت السعودية -التي كان من المفترض أن تشارك في تطبيع مع إسرائيل- عن أي تقدم دبلوماسي في هذا الاتجاه. أما الولايات المتحدة، التي لم تكن متحمسة لرؤية بديل لمقترح ترامب، فقد أعطت انطباعاً بأنها تعمل خلف الكواليس لإفشال المؤتمر. وحتى حضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لم يكن مضموناً عشية الهجوم الإسرائيلي على إيران، يوضح “ميديابارت”.
كلما مر الوقت، بدا ماكرون أقل رغبة في اتخاذ خطوة رسمية للاعتراف بفلسطين. وعلّق جان- بول شانولا قائلا: “فرنسا أظهرت شجاعة ظاهرية في علاقتها مع إسرائيل، لكن لم تجرؤ على اتخاذ الخطوة العملية. لولا هذه الضربات الجوية، ماذا كان سيحدث في نيويورك؟ كنا نشعر بحرج حقيقي. وبكل سخرية، يمكن القول إن هذه الضربات جاءت في توقيت مثالي للدبلوماسية الفرنسية. لقد عدنا إلى دعم كلاسيكي لإسرائيل”.