اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ١ تموز ٢٠٢٥
في يونيو الماضي، تشرَّفت بحضور سلسلة من الاجتماعات حول التراث الثقافي المغمور بالمياه وتغيُّر المناخ في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في باريس.وجاءت هذه الفرصة بعد اجتماع في الكويت مع د. روبرت بارثيسيوس، مؤسس مركز الأنشطة التراثية الدولي (CIE) في هولندا، الذي دعاني للانضمام إلى وفد المركز في باريس بصفتي باحثاً في التراث الثقافي البحري والمغمور بالمياه.يُعد د. بارثيسيوس، الأستاذ السابق في دراسات التراث والمتاحف بجامعة نيويورك أبوظبي، من الشخصيات البارزة في هذا المجال، حيث يُعد مركزه بأمستردام من بين نحو 20 منظمة غير حكومية معتمدة من قِبل «يونسكو» معنية بتطوير علم الآثار تحت الماء على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. وهذه بالنسبة لي فرصة سانحة اقتنصتها لكوني في الوقت الحالي أعمل على رسالة الماجستير عن صلة التراث الثقافي البحري المغمور بالمياه في الكويت والقطاعات الاقتصادية المختلفة بالكويت، إضافة إلى إخراجي لفيلم وثائقي عن هذا الموضوع أيضاً. اتفاقية عام 2001
في يونيو الماضي، تشرَّفت بحضور سلسلة من الاجتماعات حول التراث الثقافي المغمور بالمياه وتغيُّر المناخ في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في باريس.
وجاءت هذه الفرصة بعد اجتماع في الكويت مع د. روبرت بارثيسيوس، مؤسس مركز الأنشطة التراثية الدولي (CIE) في هولندا، الذي دعاني للانضمام إلى وفد المركز في باريس بصفتي باحثاً في التراث الثقافي البحري والمغمور بالمياه.
يُعد د. بارثيسيوس، الأستاذ السابق في دراسات التراث والمتاحف بجامعة نيويورك أبوظبي، من الشخصيات البارزة في هذا المجال، حيث يُعد مركزه بأمستردام من بين نحو 20 منظمة غير حكومية معتمدة من قِبل «يونسكو» معنية بتطوير علم الآثار تحت الماء على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. وهذه بالنسبة لي فرصة سانحة اقتنصتها لكوني في الوقت الحالي أعمل على رسالة الماجستير عن صلة التراث الثقافي البحري المغمور بالمياه في الكويت والقطاعات الاقتصادية المختلفة بالكويت، إضافة إلى إخراجي لفيلم وثائقي عن هذا الموضوع أيضاً.
اتفاقية عام 2001
تُعد اتفاقية يونسكو لعام 2001 بشأن حماية التراث الثقافي المغمور بالمياه اتفاقية مهمة هدفها توجيه الحكومات والمنظمات غير الحكومية والمتخصصين بالحفاظ على هذا التراث الثقافي المادي، لصونه وإدارته، إذ إنه الأكثر عُرضة لخطر الزوال. والتراث الثقافي المغمور بالمياه تراث يمتد لآلاف السنين. فهو يتضمَّن البقايا الثقافية المادية من عصور ما قبل التاريخ حتى العصر الحديث، بما في ذلك المستوطنات البشرية والسفن ووسائل النقل، إضافة إلى الحمولات التي كانت تحملها تلك السفن. ويشمل كل القطع الأثرية والهياكل والتكوينات التي أنشأها الإنسان والموجودة في البيئات البحرية أو الممرات المائية الداخلية، والتي مضى عليها أكثر من 100 عام، سواء كانت مغمورة كلياً أو جزئياً، أو كانت تحت الماء مؤقتاً، أو بشكلٍ دائم. ولحُسن الحظ، فإن الكويت تُعد من بين العديد من الدول العربية التي صادقت على الاتفاقية عام 2001.
يُعقد اجتماع الدول الأطراف في اتفاقية عام 2001 كل عامين، وقد انطلقت الدورة العاشرة لهذا الاجتماع في 16 يونيو الماضي. وقد حضر الاجتماع ممثلون من مختلف أنحاء العالم العربي، بما في ذلك دول الخليج، مثل: عمان وقطر، وكذلك دول شمال إفريقيا، مثل: تونس، وليبيا. وكانت من ثمار هذا الاجتماع، لقائي بعلماء آثار ومتخصصين ذوي تفكير مماثل ورؤى مشتركة، تبادلنا فيها الأخبار والأفكار حول وضع علم الآثار تحت الماء في المنطقة العربية. أما بالنسبة للخليج، فقد أثار الاجتماع نقاشاً حول إمكانية قيام الباحثين والسُّلطات في دول الخليج العربي بتطوير شبكة لتبادل المعرفة، خصوصاً فيما يتعلَّق بالمسح والتوثيق وحماية علم الآثار تحت الماء في الخليج. وفي الوقت ذاته، تم الاعتراف بأن المحيط الهندي، بمساحته الشاسعة، يُعد إطاراً أساسياً للنقاش بين علماء الآثار ومديري التراث من دول مجلس التعاون الخليجي ونظرائهم في السواحل الهندية والباكستانية والشرقية لإفريقيا - وهي المناطق التي سافر إليها عرب الخليج للتجارة، فتفاعلوا اجتماعياً وثقافياً وسياسياً لقرون. وهذا هو ما يسعى له مركز الأنشطة التراثية الدولي، إذ يدرس تأثير هذه الممارسات التراثية العابرة للجغرافيات البحرية المترابطة، لتعزيز التبادل المعرفي، والذي يؤدي بدوره إلى مستقبلٍ ثقافي منفتح.
البرنامج
بدأت فعاليات البرنامج، الذي نظمته «يونسكو» من 16 إلى 20 يونيو، بيومين من الاجتماعات الرسمية، وصياغة ومناقشة تعديلات على المواد، وتقديم تقارير الدول.
عقب ذلك جلسة استمرَّت يوماً كاملاً للهيئة الاستشارية العلمية والتقنية (STAB)، وهي هيئة استشارية في المسائل العلمية والتقنية، وتُسهم أيضاً في «بناء القدرات، وتطوير خطط العمل الوطنية، وتوجيه الدول الأطراف في عملية التنفيذ» (يونسكو 2025). وكانت هنالك مؤشرات واضحة على التوجه الذي ستتبناه الأمانة العامة في المستقبل القريب، إذ إنها كثفت أعمالها على موضوع تغيُّر المناخ والتراث الثقافي المغمور بالمياه، مع إعطاء أولوية لنشر التوعية حول ذلك. وبناءً على ذلك، فالمخطط هو عقد مؤتمرات علمية كبيرة في عام 2025 لتعزيز التعاون بين مختلف التخصصات، ودعم التكيُّف المناخي بما يخدم التراث والثقافة.
5 دروس من 5 أيام في «يونسكو»
إن أي محاولة لتلخيص ما حضرناه من محاضرات وحوارات وأنشطة جرت في «يونسكو» ستكون قاصرة. ومع ذلك، فإن الموضوعات الخمسة التالية كانت الأهم للمهتمين بالقضايا التي تواجه التراث الثقافي المغمور بالمياه من خلال آليات، مثل: البرامج التعليمية، والشبكات التعاونية، والسياسات.
لقد تأخر مجتمع علم الآثار تحت الماء في دمج علم تغيُّر المناخ والنماذج المتعلقة به في أبحاثه، مع وجود تركيز مفرط على مناقشة «تأثيرات» تغيُّر المناخ، بدلاً من اتخاذ خطوات استباقية للتخفيف من آثاره المستمرة. كان الأستاذ كولين برين (جامعة أولستر) ناقداً بشكل خاص للوتيرة البطيئة للتقدُّم في هذا المجال. فقد عبَّر برين عن إحباطه من نسبة التراث الثقافي المغمور بالمياه المهددة من جرَّاء التطوير الساحلي - وهي مشكلة تعانيها دول الخليج منذ سنوات عديدة. وقد كان الإحساس بالإلحاح الذي نقله د. برين واضحاً، حيث ناشد الوفود البدء في دمج المجالين ضمن أطر أخرى باعتباره «واجباً أخلاقياً» عليهم.
التعاون بين القطاعات
وتأكيداً على الدعوات إلى التعاون بين القطاعات، كانت الرسالة الأساسية من عرض د. عماد خليل، رئيس كرسي يونسكو للتراث الثقافي المغمور بالمياه، أن على علماء الآثار السعي للتعاون مع القوات المسلحة وشركات النفط والغاز، لكونهم يملكون الصلاحيات التي تخوِّلهم البحث في تلك المناطق البحرية.
وأشار خليل إلى عمليات المسح بالسونار التي أجرتها البحرية السُّلطانية العمانية في قلهات، مشجعاً علماء الآثار البحرية الآخرين على تبني استراتيجيات مماثلة لتعزيز البحث الأثري تحت الماء في مياههم الإقليمية. كما دعا ممثل جنوب إفريقيا إلى دمج سياسات التراث في التخطيط المكاني البحري (MSP)، وبالمناطق البحرية المحمية (MPAs)، نظراً لأن قضايا التراث غالباً ما تكون غائبة عن مثل هذه النقاشات.
شدَّدت كاليوبي بايكا، وهي عالمة آثار بحرية من اليونان، على أهمية التعليم في عرضها التقديمي، مشيرةً إلى برنامج الماجستير لمدة عامين في علم الآثار البحري والساحلي في جامعة إيكس-مارسيليا في فرنسا. ومثَّل جامعة الإسكندرية في مصر د. عماد خليل، الذي أعلن أن 58 طالباً قد أكملوا برامج الجامعة في علم الآثار البحري منذ عام 2020. وقد توزعت هذه الأعداد بين 36 طالب دبلوم، و22 طالب ماجستير، وقد أنجز عدد منهم دراستهم بدعم من مؤسسة أونور فروست.
ومع ذلك، فإن الجامعة المصرية المُشار إليها هي المؤسسة الأكاديمية الوحيدة في العالم العربي التي تقدِّم مثل هذه البرامج، مما يدل على ضعف تمثيل مجال علم الآثار تحت الماء في التعليم العالي على مستوى العالم العربي بشكل عام.
أما الممثل عن المركز الدولي لعلم الآثار تحت الماء (ICUA)، الواقع في زادار بكرواتيا، فقد ذكَّر الوفود بضرورة تعزيز علم المحافظة على التراث الثقافي المغمور بالمياه، لأن هذا التخصص لا يزال مهملاً. وعُرض مشروع رائد لحفظ طائرة نادرة سقطت خلال الحرب العالمية الثانية وهي في موقع سقوطها، كمثال على مشروع قائم للصيانة والمحافظة تحت الماء: وهو مشروعٌ يمتد أفق أبحاثه للأعوام الخمسة عشر المقبلة. فمن خلال تركيب أقطاب من الماغنيسيوم على الطائرة المغمورة، تم تقليل معدَّل تآكلها بشكلٍ كبير. وبالنظر إلى العدد الكبير من الطائرات والسفن المعدنية الغارقة على مستوى العالم، فلا يمكن التقليل من أهمية إبطاء تدهور هياكلها المعدنية، وأجزائها الأخرى. ومثال على ذلك، طائرتان تابعتان للبحرية الأميركية فُقدتا عام 1991 خلال عملية عاصفة الصحراء معرَّضتان للتآكل في مياه الخليج.
وفقاً لما ذكره عالم الآثار البحرية د. بنجامين فيراري، هناك ما لا يقل عن 8000 سفينة حول العالم، تعود في الغالب إلى الحربين العالميتين، تحوي كميات هائلة من النفط معرَّضة للتسرُّب، ويرى أن «السُّلطات غير مستعدة للتعامل» مع هذه الحالات. وبما أن السفن المغمورة عُرضة للتآكل والانهيار، فإن التسريبات المفاجئة للملوثات، مثل: النفط، والمواد الكيميائية، والذخائر، تُعد مصدر قلق كبير. وعلى الرغم من أن هناك تمويلاً كبيراً مخصصاً للاستجابة الطارئة لتسربات النفط، فإن هذا التمويل يركِّز في الغالب على الحوادث المعاصرة للسفن الخاصة، ولا يشمل الحطام القديم المنسي. وبالتالي، فإن الموارد الحالية لا يمكن استخدامها لحل تهديد الحطام الملوث.
تجاوز الأبحاث المعزولة
ربما كانت الرسالة الأبرز من الاجتماعات التي استضافتها «يونسكو» هي أن حماية محيطاتنا، والحفاظ على علم الآثار تحت الماء، والاحتفاء بالتراث الثقافي البحري، هي أنشطة يجب أن يسعى ذوو المصلحة إلى تنفيذها معاً، لا بشكل منفصل، سواء في الميادين العلمية أو الأكاديمية أو الثقافية. فالأزمة المناخية الأوسع، والتي تهدِّد التراث الثقافي المغمور بالمياه من خلال ارتفاع منسوب البحار، والعواصف المتكررة والأعاصير التي تزداد شدة، وتحمّض المحيطات، هي مخاطرٌ لا يمكن مواجهتها إلا بالعمل التعاوني متعدد التخصصات. وبالمثل، فإن التهديد الجسيم للبيئة البحرية الناتج عن الملوثات المحتملة في الحطام لا يمكن تفاديه أو التخفيف من أثره - بأضعف الإيمان - من دون تعاون بين العلماء، وصُناع السياسات، والصناعات، والمجتمعات البحرية.