في لحظة سياسية ملتهبة، وبينما تتجدد المخاوف من تهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، برزت إلى العلن تفاصيل جديدة من الأرشيف الإسرائيلي حول تقرير سري للغاية يعرف باسم 'تقرير شابيرا'.

التقرير الذي أعده أول مستشار قضائي لحكومة بن غوريون لا يزال محجوبًا حتى اليوم، لكن ما تكشفه الوثائق المحيطة به يعيد فتح ملف المجازر المنظمة التي ارتكبها جيش الاحتلال منذ عام 1948، وهو ما أعادت صحيفة الإندبندنت البريطانية تسليط الضوء عليه مؤخرًا.

شهادات دامية من الأرشيف الإسرائيلي

الوثائق تكشف شهادات مروّعة عن عمليات قتل واغتصاب وتهجير بحق الفلسطينيين. ففي قرية الدوايمة مثلًا، قُتل ما بين 80 و100 شخص بينهم نساء وأطفال رغم غياب أي مقاومة. جنود اعترفوا باغتصاب نساء فلسطينيات قبل إعدامهن، وإجبار عجائز على دخول منازل فجرت فوق رؤوسهم. ومن أبشع الصور شهادة عن إعدام امرأة ورضيعها بعد إجبارها على تنظيف مكان جلوس الجنود.

هذه ليست روايات فلسطينية بل وثائق إسرائيلية رسمية، رسائل لجنود إلى قادتهم وبعضها نُشر في صحف عبرية آنذاك، بما يعزز أن الجرائم لم تكن حوادث فردية بل أوامر صادرة من قيادات ميدانية.

سرية مطبقة حول تقرير شابيرا

بحسب معهد 'عكيفوت'، أُعد التقرير بطلب من ديفيد بن غوريون نفسه بعد تسرّب أخبار المجازر. احتوى على شهادات وتحقيقات رسمية لكنه بقي في خانة 'سري للغاية'، مع تبريرات رسمية بأن النشر قد يضر بـ'أمن الدولة' و'العلاقات الخارجية'. لكن باحثين يرون أن السبب الحقيقي هو الخشية من تحميل إسرائيل مسؤولية مباشرة عن جرائم حرب موثقة.

أصوات إسرائيلية ناقدة

المؤرخ بيني موريس وصف ما كُشف بأنه 'مرعب'، مؤكدًا أن المجازر نُفذت بأوامر واضحة من مستويات عليا، وشملت وحدات كـ'كرميلي' و'غولاني'. موريس حذّر من أن استمرار التستر يقوض أي ادعاء بالديمقراطية والشفافية. في المقابل، يصر مسؤولون سابقون على إبقاء التقرير مطمورًا بدعوى أنه قد يضر بصورة إسرائيل عالميًا ويثير اضطرابات داخلية.

الماضي يعانق الحاضر

تكمن خطورة الملف في توازيه مع ما يجري اليوم. فالخطط الممنهجة لتهجير الفلسطينيين عام 1948 تجد صدى في سياسات الهدم والعزل والترحيل في غزة والضفة الآن. باحثون في معهد 'عكيفوت' يرون أن ما يحدث اليوم هو امتداد مباشر لتلك السياسات التأسيسية، بما يجعل الماضي والحاضر سلسلة متصلة من الانتهاكات.

ما وراء الحجب

يبقى السؤال: ماذا يخفي تقرير شابيرا تحديدًا؟ هل يوثق أرقامًا دقيقة للضحايا؟ هل يتضمن أسماء قادة سياسيين أعطوا أوامر مباشرة؟ أم أنه يكشف شبكة أوسع من الجرائم قد ترقى قانونيًا إلى مستوى الإبادة؟

حتى الآن يظل التقرير حبيس الأدراج، لكن الضغوط الدولية تتصاعد لإجبار إسرائيل على كشفه مع اقتراب مرور 80 عامًا على النكبة. وما كُشف حتى الآن ليس سوى رأس جبل الجليد، أما ما يخفيه الأرشيف فقد يعيد كتابة تاريخ تأسيس الدولة العبرية على دماء الفلسطينيين.