اخبار تونس
موقع كل يوم -مباشر
نشر بتاريخ: ٣١ كانون الأول ٢٠٢٥
مباشر- في عالمٍ تحكمه الأرقام والنماذج التحليلية المعقدة، يرى الملياردير الأمريكي، وارن بافيت، أن الذكاء العاطفي والتوازن النفسي يتفوقان بفارق كبير على معدلات الذكاء المرتفعة (IQ) في بناء الثروات.
ويؤكد بافت، الملقب بـ 'عراف أوماها'، أن النجاح في الأسواق لا يتطلب ذكاءً خارقًا، بقدر ما يحتاج إلى قدرة استثنائية على ضبط الانفعالات وكبح النزوات التي تقود معظم المستثمرين إلى قرارات خاطئة، بحسب تقرير موقع 'Investing'.
ويشدد بافيت على أن الاستثمار ليس مسابقة يتفوق فيها صاحب معدل ذكاء 160 على من يملك 130، بل هو اختبار قاسٍ للانضباط والمزاج. فبعد امتلاك الحد الأدنى من المعرفة المالية، يصبح التحدي الحقيقي هو تحصين القرارات من تأثير تقلبات السوق، وهو ما يستلزم، على حد تعبيره، ترك المشاعر خارج غرفة اتخاذ القرار.
ويمثل الذكاء العاطفي، أي القدرة على إدراك المشاعر والتحكم فيها، الفارق الجوهري بين المستثمر الاستراتيجي ومن ينساق خلف الصيحات الرائجة. فبينما تمنحك المهارات التحليلية القدرة على قراءة الميزانيات العمومية، يعمل الذكاء العاطفي كـصمام أمان يحميك من البيع بدافع الذعر أو الشراء عند ذروة الفقاعات السعرية. وقد جعل بافيت من هذه السمة حجر الأساس في بناء إمبراطوريته الاستثمارية، محولًا ثباته النفسي إلى ميزة تنافسية تتفوق على الأرقام وحدها.
وتتجلى هذه الفلسفة بوضوح في التحركات الأخيرة لشركة 'بيركشاير هاثاواي'؛ إذ رفعت الشركة خلال عام 2025 احتياطياتها النقدية إلى مستوى قياسي بلغ 382 مليار دولار. وخلال اجتماع المساهمين السنوي، أوضح بافيت أن هذا التوجه لا يعكس خوفًا من الأسواق، بل يجسد الصبر الاستراتيجي في انتظار فرص استثمارية حقيقية، يراها غائبة حاليًا في ظل المبالغة في تقييمات الأسهم.
وليس هذا النهج جديدًا على بافيت؛ فقبيل الأزمة المالية العالمية في 2008، عززت 'بيركشاير' سيولتها النقدية، قبل أن تستغل ذروة الاضطرابات لعقد صفقات تاريخية مع مؤسسات مثل 'جولدمان ساكس' و'جنرال إلكتريك' عندما كانت أسهمها عند أدنى مستوياتها. ويعكس هذا السلوك قدرته على تحويل الأزمات إلى فرص، وهو ما يفسر قراراته الحالية بالاحتفاظ بالنقد ترقبًا لـ'لحظة الحقيقة' في الأسواق.
كيف تطوّع ذكاءك العاطفي لاقتناص الفرص؟
يطرح وارن بافيت خريطة طريق عملية لتحويل الاتزان النفسي إلى أداة ربح. تبدأ أولًا بتحييد الانفعالات أمام تقلبات السوق؛ فالمستثمر الناجح يشتري عندما يبلغ الذعر ذروته، ويتحلى بالهدوء بينما يندفع الآخرون خلف موجات الطمع.
أما الدرس الثاني، فيكمن في النظر إلى السيولة باعتبارها سلاحًا استراتيجيًا لا عبئًا معطّلًا؛ فعدم التسرع في الاستثمار خلال موجات الصعود الحاد يعكس انضباطًا عاليًا، كما حدث عندما تجاهل بافيت فقاعة التكنولوجيا ليجني ثمار صبره لاحقًا.
وتتمثل الركيزة الثالثة في الشجاعة الذهنية عبر الاعتراف بالأخطاء وتصحيح المسار، بدلًا من المكابرة المكلفة. وأخيرًا، يظل الصبر هو المفتاح الذهبي؛ إذ يؤمن بافيت بأن الوقت هو الحليف الأكبر للمستثمر، مؤكدًا أن أفضل مدة للاحتفاظ بالأسهم هي 'إلى الأبد'، لأن تجاهل التقلبات قصيرة الأجل هو السبيل الحقيقي لبناء ثروة مستدامة.

























