اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ١٣ حزيران ٢٠٢٥
وليد منصور -
بينما يتزايد عدد الأثرياء الذين يغادرون لندن، تتراكم الأرقام التي تشير إلى أن سياسة «فرض الضرائب على الأغنياء» التي تتبناها حكومة حزب العمال قد تتحول إلى عبء اقتصادي صافٍ على المملكة المتحدة.
لا يكاد يمر يوم دون إعلان مستثمر كبير أو رائد أعمال عن مغادرته بريطانيا، منذ أن ألغت الحكومة الإعفاء الضريبي التاريخي الذي استمر قرنين لما يُعرف بـ«غير المقيمين» (non-doms) – وهم الأثرياء المقيمون في بريطانيا لكنهم من جنسيات أجنبية.
ومن بين هؤلاء المغادرين مؤسس شركة Checkout.com الملياردير غيوم بوزاز، وناصف ساويرس، أغنى رجل في مصر. هؤلاء وغيرهم يتجهون إلى مراكز مالية في أوروبا والشرق الأوسط تعد بأنظمة ضريبية أخف، في وقت تحولت فيه مغادرة الأثرياء من ظاهرة فردية إلى موجة متسارعة.
تحليل أجرته وكالة بلومبيرغ لخمسة ملايين ملف شركة أظهر ارتفاعاً ملحوظاً في عدد كبار رجال الأعمال الذين غادروا خلال الأشهر الأخيرة، حيث كشف أكثر من 4400 عن انتقالهم إلى الخارج في غضون عام واحد.
وتشير دراسات حديثة إلى أن استمرار هذا المعدل من المغادرة قد يكلف المملكة المتحدة ما يصل إلى 12.2 مليار جنيه إسترليني (16.5 مليار دولار) خلال السنوات الأربع المقبلة، بالإضافة إلى خسارة آلاف الوظائف.
وتراهن الحكومة البريطانية على أن التغييرات ستجلب 33 مليار جنيه إسترليني إضافية من الضرائب، لكن أصواتاً معارضة تحذر من أن هذه التوقعات مفرطة في التفاؤل.
ويقول خبراء إنه إذا غادر أكثر من ربع مجتمع غير المقيمين، فإن السياسة ستبدأ بإلحاق خسائر مالية فعلية بحكومة كير ستارمر، مع خلق ضغط اقتصادي إضافي. ونظراً لوتيرة المغادرة الحالية، يبدو هذا الرقم واقعياً بين هذه الشريحة الصغيرة من السكان ذات النفوذ المالي الكبير.
أرقام موثوقة
وتقول كاترين هاريسون، الشريكة في شركة Charles Russell Speechlys القانونية: «سأُصاب بالدهشة إن لم نصل إلى هذه النسبة خلال السنوات القادمة. سنصل إلى عتبة الـ%25 حتماً».
ويصعب الحصول على أرقام موثوقة بشأن المغادرين مؤخراً، جزئياً بسبب التأخير في الإفصاحات الحكومية. لكن مع نهاية النظام في أبريل، كانت البلاد تضم نحو 74 ألف غير مقيم، معظمهم يستخدمون ما يُعرف بآلية التحويل (remittance basis) التي تفرض ضرائب فقط على الدخل الخارجي إذا تم تحويله إلى داخل المملكة.
أما الأرقام الأخيرة، فتُظهر أن حالات المغادرة زادت بنسبة %75 في أبريل مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، لتسجل أعلى مستوى خلال أربع سنوات. وشهدت قطاعات مثل التمويل والتأمين والعقارات – التي يفضلها غير المقيمين – أعلى معدلات المغادرة.
وأدى قرار حزب العمال بفرض ضريبة الميراث البريطانية (بنسبة %40) على الأصول الخارجية إلى تسريع قرارات المغادرة، حيث تمثل هذه الأصول غالبية ثروات غير المقيمين.
وتقول ماغدا ويرزيكا، التي انتقلت من جنوب أفريقيا إلى المملكة المتحدة عام 2019: «الحسبة الوحيدة التي تهم في هذه المسألة هي ضريبة الميراث».
نقل الثروات
ومعظم المغادرين من الأثرياء الأجانب ينتمون إلى جيل «الطفرة السكانية» وجيل «إكس»، وهم في مرحلة عمرية تُعطي أولوية لنقل الثروات للأبناء. وغادر الكثيرون قبل أبريل لتجنب استمرار خضوعهم لضريبة الميراث لعشر سنوات بعد المغادرة.
وجهات مثل سويسرا، موناكو، قبرص، وإيطاليا تستفيد الآن من هذه المغادرة، حيث قدمت أنظمة جذابة للأثرياء. من بين المغادرين: آن بوفور، وريثة ثرية فرنسية؛ ماكس غوتشالك، المستثمر الألماني الذي دعم قطاع الهيدروجين في بريطانيا؛ وغرازييلا كوترالي، ابنة ملياردير عصير البرتقال في البرازيل.
وبعض غير المقيمين بدأ التخطيط لمغادرته بعد فوز حزب العمال في الانتخابات في يوليو. وقد شكّل لوبي «المستثمرون الأجانب من أجل بريطانيا» جبهة ضغط ضد الإصلاحات، محذراً من أنها قد تكلف البلاد مليار جنيه سنوياً، قبل أن تصدر تحذيرات أقوى من معهد آدم سميث.
وشهد شهر أكتوبر – قبيل إعلان ميزانية الخريف – أكبر موجة مغادرة في عام 2024، وفقًا لتحليل ملفات الشركات.
ويقول ليزلي ماكليود-ميلر، الرئيس التنفيذي لمجموعة Foreign Investors for Britain: «هناك شعور عام بالدهشة بين غير المقيمين من أن الحكومة لم تراجع نفسها».
بدأ العد التنازلي
أوضح التقرير أنه رغم التصريحات العلنية الهادئة، يراقب مسؤولو الخزانة الوضع عن كثب. وكان مكتب الضرائب قد أجرى تقييماً داخلياً لتأثير التعديلات على حركة غير المقيمين، ما ساهم في تقديرات مكتب المسؤولية عن الميزانية.
لكن مدة النظام الجديد – والتي تقل بكثير عن فترة الـ15 سنة السابقة – تعرضت للانتقاد لافتقارها إلى الاستقرار، ما يجعل من الصعب على الوافدين الجدد وضع خطط طويلة الأمد، مثل تعليم أبنائهم في المملكة.
وفي حين استمر بعض غير المقيمين بالبقاء في المملكة المتحدة، فإن «العد التنازلي» بدأ، خصوصاً لأولئك الذين ينتظرون انتهاء أطفالهم من مراحل تعليمية أو بلوغ العشر سنوات الضريبية.
تأثير الإصلاحات يمتد إلى قلب لندن
أفاد تقرير بلومبيرغ بأن تأثير هذه الإصلاحات يمتد الآن إلى قلب لندن: نوادٍ نخبوية مثل Walbrook Club تفقد بعض عملائها؛ ساويرس قلّص أنشطة مكتبه العائلي في لندن وافتتح فرعاً جديداً في أبوظبي؛ كما جمدت مبيعات العقارات الفاخرة وسط ارتفاع الطلب على الإيجارات الفاخرة.
وبينما تدرس الحكومة طرح تأشيرة جديدة للمستثمرين، فإن التعديلات الحالية أحدثت تغييرات جذرية في نظرة الأثرياء للمملكة المتحدة.
يقول مارك هنتر، شريك في شركة Macfarlanes القانونية في لندن: «الآن، غالبًا ما يأتي الناس بخطة خروج قصيرة الأمد في ذهنهم، والوجهة التالية جاهزة بالفعل».