المعطيات الدولية لا تصب في خانة التخلي عن حكومة عبدالحميد الدبيبة

بدأت خُطى المترشحين لرئاسة الحكومة الليبية الجديدة تتسارع نحو قبة البرلمان الذي يتخذ من بنغازي شرق ليبيا مقراً له، وذلك إثر دعوة رئيس البرلمان عقيلة صالح إلى جلسة استماع للمترشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، والتي من المنتظر أن تكون الأربعاء المقبل.

وبدأت اللجنة المشتركة المشكلة من قبل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة أشغالها للتدقيق في الشروط القانونية والإدارية لفرز ملفات المترشحين لمنصب رئيس الحكومة الجديدة.

الرئاسي يرفض

تحركات مجلسي النواب والدولة لتشكيل حكومة جديدة رفضها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي الذي أكد اعتراضه على اختيار رئيس حكومة جديدة، مشدداً على أن اختيار رئيس للحكومة هو اختصاص المجلس الرئاسي بموجب تعديل الاتفاق السياسي بين مجلس النواب ومجلس الدولة الاستشاري وبرعاية بعثة الأمم المتحدة، والمضمن بالإعلان الدستوري بموجب التعديل الـ11 لسنة 2018.

ويخشى مراقبون من ولادة حكومة ثالثة، بخاصة أن المعطيات الدولية لا تصب في خانة التخلي عن حكومة عبدالحميد الدبيبة من جهة، ومن جهة أخرى فإن رئيس المجلس الرئاسي يرفض اختيار مجلسي النواب والدولة لرئيس حكومة جديدة، باعتبار أن الأمر اختصاص أصيل لمجلسه.

بصيص أمل 

وفي الصدد يؤكد الباحث السياسي محمود الكاديكي أنه بالفعل لا توجد مؤشرات دولية لتجاوز حكومة الدبيبة، على رغم استمرار المظاهرات المنادية بإسقاط هذه الحكومة، ويضيف مستدركاً أن المجتمع الدولي يتحرك انطلاقاً من الواقع الذي تصدره له بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ويوضح أن المجتمع الدولي في انتظار قيام ثورة شعبية تسقط حكومة الوحدة الوطنية التي يرفض رئيسها مبدأ التسليم السلمي للسلطة.

ويقول الكاديكي إن المجتمع الدولي ليس مستعداً لخسارة قوة سياسية لديها أذرع أمنية على الأرض، مضيفاً أنه على رغم هذا الجمود الدولي، تأتي تصريحات المبعوثة الأممية لليبيا هانا تيتيه كبصيص أمل نحو تغيير حكومي في القريب العاجل، غير أن المجتمع الدولي حريص على الذهاب نحو التغيير السياسي بصورة سلمية من دون عنف، وهو أمر لن يحصل في ظل رفض الدبيبة التسليم بطريقة سلسة.

ويؤكد الباحث السياسي المتخصص في الشأن الليبي أن ولادة حكومة جديدة أصبح أمراً مفروغاً منه، سواء عن طريق الانتخابات أو عبر توافق بين مجلسي النواب والدولة أو بقوة السلاح على شكل ما حدث مع نظام القذافي عام 2011، لأن الثقة في حكومة الدبيبة للإشراف على الانتخابات القادمة أصبحت أمراً مرفوضاً من الداخل والخارج، ولعل تصريحات المبعوثة الأممية إلى ليبيا خير دليل.

وسبق أن أوضحت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تصريحات صحافية أن المجتمع الدولي لا يزال يعترف بحكومة الوحدة الوطنية، رغم انتهاء ولايتها ومواجهتها لاحتجاجات في مناطق مختلفة، بخاصة في طرابلس وغرب البلاد، معتبرة أن هذا الانقسام لا يخدم مستقبل البلاد، ومعربة عن قلقها من استمرار هذا النهج الذي سيؤدي إلى مزيد من الانقسام، مشددة على ضرورة إطلاق مسار حواري يفضي إلى توافق وطني.

التدخل الدولي

إلى ذلك يقول عضو مجلس الدولة الاستشاري عادل كرموس إن إرادة الدول المتدخلة في الشأن الليبي تتضح من خلال ما تمارسه البعثة الأممية في ليبيا، التي لم تتخذ أي خطوة جادة نحو تغيير الحكومة على رغم التوافقات بين مجلسي النواب والدولة، حيث سعت دائماً إلى توسيع الحوار وتمطيط الوقت لصالح الحكومة التي لم تعد مقبولة شعبياً بانتهاء ولايتها وسحب الثقة منها من قبل البرلمان، مؤكداً أن حكومة الدبيبة لم تعد تحمل أي معنى للحكومة باستقالة عدد من وزرائها، جميعها عناصر داعمة لتغييرها، ولكن البعثة تتجاهل ذلك، وفق تعبيره.

وبخصوص مصير حكومة أسامة حماد الموازية (شرقاً) في حال اختيار مجلسي النواب والدولة حكومة جديدة، ينوه عضو مجلس الدولة أنه في هذه الحالة لن يكون لحكومة حماد أي وجود، خصوصاً إذا ما حظيت الحكومة الجديدة بالاعتراف والدعم الدولي، مثلما حصل سابقاً مع حكومة فايز السراج.

تحريك الملف

ويوافق عضو مجلس الدولة سعد بن شرادة ما ذهب إليه زميله كرموس، ويوضح أن الأحداث الأخيرة في طرابلس سارعت من تحريك الملف السياسي في ليبيا، لأن البعثة الأممية للدعم في ليبيا كانت قبل ذلك تنتهج أسلوب المماطلة، وبخاصة بعد إصدار القوانين الانتخابية من قبل مجلس النواب ومجلس الدولة، باعتبار أن البعثة ذهبت إلى تشكيل لجنة استشارية أخذت نحو الشهرين والنصف من العمل لتخرج بأربعة مقترحات، لتؤكد فيما بعد أنها غير ملزمة وتبقي حرية الاختيار للشعب الليبي، وهو أمر يدل على مماطلة البعثة في الذهاب نحو انتخابات وطنية، باعتبار أن القوانين الانتخابية جاهزة من قبل مجلسي النواب والدولة.

وينوه إلى أن استمرار مظاهرات طرابلس سيسرع من تشكيل حكومة واحدة تشرف على الاستحقاقات الانتخابية مع نهاية شهر يوليو القادم. ويقول بن شرادة إن جميع الحكومات ستسقط بانتخاب رئيس حكومة جديدة، أما في حال استمرار هذا الوضع، فستبقى كل من حكومة الدبيبة وحكومة حماد على الأرض، قائلاً إنه من المستحيل ولادة حكومة ثالثة، باعتبار أن أطراف الصراع الليبي لكل منها حكومة، فولادة حكومة ثالثة يحتاج إلى جناح أمني وتشريعي وحاضنة اجتماعية.

الحل

وللخروج من هذه الأزمة يقترح عضو مجلس النواب ميلود الأسود في حديثه مع 'اندبندنت عربية' حلاً مكوناً من جزأين يكون الأول على المدى القصير ويتمثل في تكليف شخصية تسيير العمل مكان الدبيبة في المناطق الخاضعة لحكومته لمنع حدوث فراغ سياسي، مقترحاً أن يكون أحد وزرائه لتسيير المرحلة، وبخاصة وزير النفط محمد عون.

ويواصل الأسود حديثه عن الجزء الثاني من الحل، والذي يجب أن يكون تحت رعاية البعثة الأممية، عن طريق تشكيل لجنة بصفة عاجلة من مجلسي النواب والدولة تتولى الاتفاق حول تشكيل حكومة جديدة وفق مخرجات لجنة 20، وفي الوقت ذاته يجب معالجة الملاحظات الواردة في تقرير لجنة 20 التي كُلفت من قبل البعثة الأممية للدعم في ليبيا، أو تُقر البعثة الأممية للدعم في ليبيا قبولها بالإجراء الذي اتخذه مجلس النواب بقبول الترشيحات لمنصب رئيس الحكومة الجديدة، واعتبار تزكيات أعضاء مجلس الدولة إقراراً بقبول الآلية، وعند حصول التوافق الذي نص عليه الاتفاق، يقع الاعتراف الدولي بمن يسمى رئيساً للحكومة الجديدة.