اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة القبس الإلكتروني
نشر بتاريخ: ٤ كانون الأول ٢٠٢٥
وليد منصور -
في صباح رمادي من شتاء وادي السيليكون، كان الموظفون في مقرّ شركة OpenAI يتجهون إلى مكاتبهم كالمعتاد، يحملون فناجين القهوة ويناقشون تحديثات النماذج الجديدة. لكن شيئاً مختلفاً كان يخيّم على الجو. إشعارات داخلية عاجلة، رسائل مُشفّرة، وحالة استنفار غير مسبوقة. وما إن فتحت الشاشات حتى ظهر عنوان كبير في مذكرة رسمية من الرئيس التنفيذي سام ألتمان: «Code Red» - حالة طوارئ.
لم تكن العبارة مجرد لغة تحفيزية. لقد كان إعلاناً بأن الشركة التي أشعلت شرارة ثورة الذكاء الاصطناعي أمام تحدٍّ وجودي حقيقي: شركة غوغل تتحرك، وبقوة غير مسبوقة.
المنافس العملاق يستيقظ
منذ إطلاق «شات جي بي تي» في نهاية 2022، ساد اعتقاد في وادي السيليكون بأن «غوغل» - رغم عملاقها البحثي ومواردها - فقد تأخرت. ظهرت OpenAI كفرسٍ جامح، صغير وسريع ومرن. كان الابتكار يأتي منها بوتيرة صادمة، فيما بدت «غوغل» كمن يلهث للحاق، لكن ذلك تغيّر فجأة.
قبل أسابيع فقط، كشفت «غوغل» عن نموذجها الجديد Gemini 3، ومعه موجة إعجاب عالمية: سرعة أكبر، قدرات لغوية متقدمة، وقدرة على التعامل مع المهام المعقدة في وقت قياسي. الصحافة التقنية بدأت تتحدث عن «عودة غوغل»، والمستثمرون بدأوا يسألون أسئلة محرجة لـ OpenAI.
ومع أن المنافسة ليست جديدة، إلا أنّ الوزن الثقيل لـ«غوغل»، بعشرات المنتجات، وعشرات المليارات من الدولارات، ومنظومة إعلانية لا مثيل لها، جعل التهديد أكبر من أي وقت مضى.
لماذا ارتعبت OpenAI؟
رغم أنّ OpenAI أصبحت اسماً عالمياً، فإنها ما تزال شركة صغيرة مقارنة بوحش مثل «غوغل». تعتمد على شراكات محدودة، قاعدة منتجات أقل، واقتصاديات تشغيلية أكثر حذراً. أما «غوغل»، فبوسعها إدخال النموذج الجديد في «يوتيوب»، «جي ميل»، «أندرويد»، ومتصفح «كروم»، أي في حياة المليارات دفعة واحدة.
هذه القوة الهائلة في التوزيع جعلت قيادة OpenAI تدق جرس الإنذار. جاء في مذكرة ألتمان للموظفين: «ركّزوا جهودكم على تحسين ChatGPT الآن. كل المشاريع الأخرى ثانوية».
كانت الرسالة واضحة: «المعركة الآن حول المنتج الأساسي.. والوقت يداهمنا».
سباق لا يعرف الرحمة
الصراع بين الشركتين لا يدور فقط حول عدد المستخدمين أو جودة النموذج. إنه سباق على من سيحكم الذكاء الاصطناعي في العقد القادم، سباق قيمته تريليونات الدولارات.
وفي حين يرحّب المستهلكون بالمنافسة التي قد تجلب أدوات أفضل وأسعاراً أقل، فإن الخبراء يحذّرون من الوجه المظلم لهذا الصراع.
فمنذ سنوات، كان علماء الذكاء الاصطناعي يتحدثون عن ضرورة تطوير التقنية بحذر، خصوصاً عندما تصبح قادرة على اتخاذ قرارات معقدة أو التأثير في سلوك البشر. أما الآن، ومع اشتداد «حروب الذكاء الاصطناعي»، يخشى البعض أن تضطر الشركات إلى التضحية بالسلامة مقابل السرعة.
أحد الباحثين كتب في تعليق لافت: «عندما يقف المستثمرون خلفك والمنافسون أمامك.. تصبح الأخلاق رفاهية».
تحرَّك بسرعة وكسِّر الأشياء
هل يتذكر العالم تلك العبارة الشهيرة التي كانت تزيّن مكاتب شركات التكنولوجيا منذ عقد؟ «Move fast and break things» - تحرك بسرعة وكسّر الأشياء.
تلك كانت فلسفة وادي السيليكون لسنوات، قبل أن تتسبب في مشاكل ضخمة تتعلق بالخصوصية، والمعلومات المضللة، والتأثير على السلوك السياسي والاجتماعي، ما دفع الشركات للتراجع والتعهّد بالإبطاء.
لكن مع سباق الذكاء الاصطناعي المحموم، بدأت هذه الروح القديمة تعود.
شركات عدة - وليس OpenAI وغوغل فقط - أصبحت تتحرك بسرعة جنونية: نماذج جديدة كل شهر، تحديثات ضخمة كل أسبوع، منتجات وتجارب تجريبية تصل إلى المستخدمين قبل اختبارها الكامل.
المحللون يقولون إن الضغوط هذه المرة «أعنف من أي وقت مضى».
المنافسون يتضاعفون
خلال الأشهر الأخيرة، ظهر منافسون آخرون زادوا الضغط على OpenAI:
1 - Anthropic أطلقت نموذجاً جديداً من سلسلة «Claude» بقدرات لغوية متقدمة.
2 - Grok، نموذج إيلون ماسك، دخل المنافسة بأسلوب مختلف، لكنه ضجّة إعلامية كبيرة.
3 - شركات صينية تقترب سريعاً، مثل بايدو وعلي بابا.
4 - حتى شركات ناشئة جديدة، مدعومة بصناديق استثمارية ضخمة، باتت تعلن عن طموحات «ذكاء عام» خلال سنوات قليلة.
وبينما يشعل الجميع المضمار، تقف OpenAI في موقف حرج: هي التي أطلقت الشرارة الأولى.. لكنها قد لا تكون بالضرورة من يفوز بالسباق الأخير.
سيناريوهات المستقبل
يعتقد خبراء أن الأشهر المقبلة ستكون الأكثر توتراً في تاريخ صناعة التكنولوجيا منذ ولادة الهواتف الذكية، وهناك ثلاثة احتمالات رئيسية:
1 - انفجار الابتكار
تسريع التنافس قد يؤدي إلى تقدم تقني لم نره من قبل: نماذج تفهم أكثر، تتفاعل بدقة أكبر، وتعمل بسلاسة في حياة البشر اليومية.
2 - انفلات المعايير الأخلاقية
إذا كان الحفاظ على الريادة يتطلب المجازفة، فقد تتجاوز الشركات حدود الأمان. وقد نشهد نماذج تُطرح قبل نضوجها، أو استخدامات غير محسوبة التأثير.
3 - توزيع جديد للقوة العالمية
من يحسم سباق الذكاء الاصطناعي سيملك نفوذاً يشبه ما فعلته 'الإنترنت' في التسعينيات، وربما أكبر.
معركة.. لم تنته بعد
بعد أكثر من ثلاث سنوات من إطلاق ChatGPT، تُدرك OpenAI أنّ الشرارة التي أشعلتها لم تعد ملكاً لها وحدها. العالم تغيّر، والمنافسة تضاعفت، والتكنولوجيا تتسارع بوتيرة مذهلة.
لكن شيئاً واحداً أصبح مؤكداً اليوم: حروب الذكاء الاصطناعي لم تعد منافسة بين شركات، بل سباق عالمي سيحدد شكل المستقبل.
وفي مكان ما في سان فرانسيسكو، يعمل مهندسو OpenAI في صمت - رؤوسهم منكّسة فوق الشاشات - مدفوعين بعبارة واحدة ما تزال تلمع في المذكرة الحمراء: «الوقت ينفد.. ويجب أن نتحرك الآن».


































