اخبار مصر
موقع كل يوم -صدى البلد
نشر بتاريخ: ٣٠ أيلول ٢٠٢٥
من الصعب أن تكتب عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون أن تستحضر صورة ذلك الرجل القوي الذي خرج من عباءة واحد من أهم أجهزة المخابرات في العالم وهو جهاز المخابرات الروسية ليصبح صانع القرار الأول في الكرملين.
لعقدين متواصلين وأكثر ما نراه ونسمعه عن بوتين نوقن معه أنه ليس مجرد رئيس لروسيا بل حالة سياسية تعكس طموح أمة كبيرة تبحث عن مكانة قوية في عالم تهيمن عليه قوى كبرى تتصارع على النفوذ والثروات.
في كل مرة كصحفي وباحث أتأمل تجربته وسياسته الداخلية والخارجية يخطر ببالي سؤال جوهري .. هل يسعى بوتين إلى استعادة مجد الدولة الكبرى 'الاتحاد السوفيتي' بثوب جديد أم أنه فقط يريد لروسيا أن تكون لاعبا عالميا يعمل وفق سياسة الندية .. فهو قائد دولة لا يمكن تجاهلها .
هذا السؤال لو كنت أجري حوارا صحفيا مع الرئيس الروسي كنت لأبدأ به الحوار .. فهذا السؤال يعبر عن حجم القلق الغربي من الرجل في حين يعبر من جانب آخر عن حجم الإعجاب به لدى فئات واسعة في روسيا والعالم ولا سيما المصريين خصوصا وانا واحد منهم.
بوتين يؤمن بعالم متعدد الأقطاب وهذا قاله في اكثر من لقاء مع صحفيين وقادة.. عالم لا تنفرد فيه واشنطن بالقرار وحدها. وهذا الأمر لا يتحقق إلا بالمزج بين ادغوات القوة الصلبة من قوة عسكرية وموارد طاقة وبين أدوات القوة الناعمة مثل الدبلوماسية والتحالفات الاقتصادية عبر البريكس وغيرها.
لو أجريت حوارا مع الرئيس الروسي كنت بالطبع سأسأله عن العلاقات مع القاهرة . فحين ننظر من القاهرة إلى موسكو نجد أن العلاقة ليست جديدة ولا عابرة.. من السد العالي الذي حمل توقيع الروس إلى محطة الضبعة النووية التي تعكس تعاونا استراتيجيا متعدد الأوجه.. ويبدو أن الصداقة والمحبة المتبادلة بين الشعبين ما هي الا خيط طويل من الشراكة يمتد من الماضي الى المستقبل.
لكني كنت سأسأل بوتين أيضا، هل يدرك أن مصر ليست مجرد شريك اقتصادي أو محطة للطاقة والسياحة بل هي بوابة النفوذ إلى قلب الشرق الأوسط وأفريقيا؟ وما هي القضايا الأفريقية ذات الأولوية التي يعمل عليها كلا البلدين؟
بالطبع مصر تسير نحو علاقات متوازنة وهي بالنسبة لروسيا شريك متوازن كما هي بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا. لكن أعتقد أن وجهة النظر الروسية تضع مصر دائما بعين الاعتبار في كثير من القضايا.
كنت ايضا سأسأله عن الاقتصاد الروسي الذي واجه عقوبات غربية غير مسبوقة، فكيف تمكنت روسيا من تجاوز آثارها؟ وما البدائل التي تطرحها روسيا لتعزيز شراكاتها الاقتصادية مع آسيا وأفريقيا لدعم الاقتصاد الروسي؟
وبالطبع لن أتجاهل مسار الحرب في أوكرانيا .. وكنت سأسأله بوضوح: ما هي الشروط التي يمكن أن تقبل بها روسيا لإنهاء النزاع عبر تسوية سلمية؟
ايضا الشرق الأوسط او المنطقة العربية لا تخرج عن حسابات الكرملين. لذا لو أجريت حوارا مع الرئيس بوتين كنت سأجوب معه في قضايا المنطقة .. من سوريا إلى ليبيا .. ومن إيران إلى تركيا .. أسأله عن بصمات موسكو في قضايا الاقليم . وهل يملك الرئيس الروسي تصورا عمليا لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والاعتداءات على الفلسطينيين وهل لديه أوراق ضغط لحل الدولتين أم أن موسكو تكتفي بلعب دور الوسيط فقط؟ وما هي الحسابات الروسية في هذه الازمة؟
الأسئلة كثيرة لكن يبقى البعد الإنساني محورا وسؤالا لا يمكن تجاهله مع رئيس بحجم بوتين ، كما ان شخصية بوتين في حد ذاتها تظل سؤالا مفتوحا. فهو رجل قوي بالطبع يواجه الغرب ويقود بلاده للعبور من تحديات كبرى.. فيأتي سؤالي له : فخامة الرئيس ما الذي تخشاه في قرارة نفسك؟ فبوتين بالطبع زعيم تاريخي ستذكره كتب السياسة كما ذكرت القياصرة ولينين وستالين كما انه رجل دولة يؤدي مهمة صعبة فرضتها الظروف وتقف امامها تحديات كبرى.
من المؤكد أن بوتين ليس مجرد رئيس لروسيا بل هو ظاهرة سياسية تعكس إرادة أمة بأكملها. يتفق معه البعض وقد يعارضه البعض لكنه يظل رقما صعبا في المعادلة العالمية.