تعيش مقاطعة يعقوب المنصور بالعاصمة الرباط على وقع توتر متصاعد، إثر تبادل الاتهامات بين رئيس المجلس ونائبه الأول السابق، حول ما وصفه هذا الأخير بـ'شبهات تبديد أموال عمومية وسوء تدبير الشأن المحلي'، في حين رد الرئيس بنفي قاطع لهذه المزاعم، معتبرا أنها 'تصريحات مدفوعة بصراعات سياسية وانتخابية سابقة لأوانها'.

وفي الوقت الذي يطالب فيه النائب السابق بفتح تحقيق في ما يصفه بـ'نزيف مالي يطال بعض الأنشطة والمهرجانات'، يشدد رئيس المقاطعة على أن كل القرارات والإجراءات التي اتُخذت تمت وفق القوانين الجاري بها العمل، داعيًا إلى اللجوء للمؤسسات القضائية المختصة للحسم في الموضوع.

وفي هذا الإطار، قام طاقم من موقع جريدة 'العمق المغربي' بالانتقال إلى عين المكان لفهم حيثيات وملابسات هذه الادعاءات.

وكشف سعيد التيونارتي، النائب الأول لرئيس مجلس مقاطعة يعقوب المنصور، عن معطيات تتعلق بشبهات تبديد أموال عمومية، داعيًا الجهات الرقابية المعنية إلى ضرورة التحقيق والتدقيق في معطيات وملابسات هذا النزيف المالي.

وفي تصريح خاص لجريدة 'العمق المغربي'، أشار التيونارتي إلى أن تدبير المجلس الجماعي يتم في غياب تام للحكامة الجيدة وترشيد النفقات، مخالفًا لمضامين مذكرات وزارة الداخلية في هذا الشأن، واصفًا الوضع 'بالكارثي'.

ووصف التيونارتي وضعه اليوم داخل المجلس قائلاً: 'أعيش اليوم في عزلة شبه تامة بسبب حصار سياسي شنيع ممارس على شخصي من قبل الرئيس، من خلال تجريدي من مختلف صلاحيات العمل التي تتيح لي خدمة الساكنة في إطار سياسة القرب من المواطن المشهود لي بها، ولله الحمد، والتي أكّدتها صناديق الاقتراع ما من مرة على حد قوله، في محاولة لثنيه عن التعبير عن مواقفه المخالفة لتوجهات الرئيس التسييرية'.

أما فيما يتعلق بموسم 'التبوريدة' الذي يُنظم سنويًا، فقد أشار التيونارتي إلى أنه أصبح محط شبهات كبيرة بفعل تضمين تقارير مالية تواريخ امتداد خاطئة تُشير إلى استمراره خمسة أيام، في حين أن استمرار فعالياته لم يتجاوز الثلاثة أيام فقط، مما يثير تساؤلات عن مصير المبالغ المخصصة لليومين المتبقيين حسب رأيه.

واعتبر المتحدث أيضًا أن الموسم أصبح 'مناسبة سنوية' لتبديد المال العام، مشيرًا إلى أن خلافاته العديدة مع رئيس المجلس بشأنه ليست وليدة اليوم، بل هي تراكمات بدأت منذ موسم 2022 بتخصيص 70 مليون سنتيم كميزانية لهذا النشاط، ليتبين فيما بعد استفادة المجلس من منحة مماثلة من وزارة الثقافة كدعم له، في غياب أي توضيح من رئيس المجلس عن مال 70 مليون المبرمجة ضمن ميزانية المجلس.

وأضاف المتحدث أن الأمر نفسه طال هذا النشاط ضمن فعاليات 2023، حيث تم تخصيص ما قدره 100 مليون سنتيم كميزانية صفقة الإشراف عليه، واصفًا المبلغ بالمبالغ فيه.

وأعرب التيونارتي عن استيائه من عدم تسليم المستشارين أي وثائق تهم تنفيذ الميزانية المقررة، رغم المطالبة بذلك لمرات عديدة، إما عن طريق كتابة الضبط أو شفويًا خلال دورات المجلس، بالنظر للمبالغ الكبيرة التي يتم رصدها لتدبير شؤون المقاطعة.

وختم التيونارتي مداخلته بالقول: لا يمكن أن أقبل التصويت على خروقات واضحة للعيان بأي شكل كان وتحت لواء أي تحالف ثلاثي مهما كانت صيغته وظروف نشأته، في إشارة منه لأسباب تصويت منتخبين عن فريق حزب الحمامة على نقاط عدة ضمن جدول أعمال دورات المجلس تكون محط جدال واختلاف بينه وبين رئيس المقاطعة.

رد رئيس المقاطعة

من جهته، رد رئيس المجلس، عبد الفتاح العوني، على هذه الاتهامات، في حوار أجرته معه جريدة 'العمق المغربي' بمكتبه، بأن عمل المجلس، أغلبية ومعارضة، عن التنزيل السليم لبرنامج المقاطعة يتم في إطار تدبير تشاركي توافقي بين مختلف مكونات الأغلبية، وفي إصغاء لدفوعات وآراء المعارضة، ممثلة في حزب العدالة والتنمية بشكل أساسي، مشيرًا لانفتاحه على الأخذ والعطاء في كل الأمور التي تهم تحسين الوضع المعيشي لساكنة يعقوب المنصور.

وأوضح العوني أن تصريحات التيونارتي تأتي في إطار صراع انتخابي سابق لأوانه، واصفًا هذه الاتهامات والأقاويل بغير المسؤولة، وداعيًا صاحبها للجوء إلى المساطر القانونية لتأكيد صحتها من عدمه، تجسيدًا لأسمى صور دولة الحق والقانون.

وأكد رئيس المجلس أنه لا وجود ولا علاقة له بما يُروّج من قبل نائبه السابق حول شبهات تبديد أموال عمومية، مدليًا بوثائق حصلت جريدة 'العمق المغربي' على نسخة منها، موضحًا في السياق ذاته عدم رئاسته لأي جلسة فتح أظرفة من قبل، ومؤكدًا أن مهمة فتحها وتسييرها في العديد من الأحيان كانت تُسند للتيونارتي نفسه ولمستشارين من حزبه، مبدياً تساؤلاته عن الكيفية التي من الممكن أن تُخول لشخص التلاعب في صفقات قُدمت عبر البوابة الإلكترونية المخصصة لذلك ولم تُفتح من قبله.

وصرح المتحدث أن كل ما يصدر من نائبه السابق ليس إلا رد فعل عن تجريده من صفة النائب الأول عقب دورة استثنائية عقدها المجلس استنادًا للمادتين 63 و117 من القانون 113.14 المتعلق بالجماعات، والتي بمقتضاها تم إسقاط صفة النائب الأول عنه وتجريده من مختلف الامتيازات والتفويضات الممنوحة له.

وأكد العوني تعرضه لمحاولات ابتزاز عديدة تهم إجراءات وتدابير مخالفة للمقتضيات القانونية المعمول بها من قبل سعيد التيونارتي، عبّر عن رفضه لها بشكل واضح ما من مرة، وهو ما فجّر أزمة بينه وبين نائبه السابق، الذي عمد -على حد قوله- إلى محاولة عرقلة أشغال المجلس لأكثر من مرة.

ودعا الرئيس أيضًا كل من لديه مستندات وتبوتات تؤكد وجود خروقات وتبديد للأموال العمومية إلى اللجوء للمؤسسة القضائية للحسم في هذا النقاش، قائلاً: 'أسيدي اللي عندو شي حاجة عليا وساترني، الله يفضحو'.

أما بخصوص موسم 'التبوريدة'، فقد أوضح العوني أن إطلاق البارود لم يستمر خمسة أيام كما تم التخطيط له بالفعل، بسبب نفاد ذخيرة البارود المؤشر لها في اليوم الرابع، مؤكدًا أن اليوم الأخير، أي اليوم الخامس، قد خُصص للمغادرة، وهو تقليد متعارف عليه في كافة مواسم المملكة ورواد هذا الموروث الثقافي الغني.

كما رد العوني على اتهامات التيونارتي بشأن عدم تقديمه تبريرات واضحة حول بعض القرارات المالية، بتقديمه وثائق حصلت جريدة 'العمق' أيضًا على نسخة منها، مؤكدًا أن جميع الإجراءات التي اتخذها المجلس في تدبير ميزانيته كانت قانونية وتهدف إلى تحقيق مصلحة المقاطعة وسكانها.

وأشار إلى أن الاتهامات التي وجهها التيونارتي تعكس خصومات سياسية ولا ترتبط بمصلحة المواطن.

وفي ختام تصريحاته، لمّح العوني إلى إمكانية اللجوء إلى القضاء ضد نائبه السابق بسبب التشويه المتعمد لسمعته أولًا ثم المجلس ثانيًا، معتبرًا أن 'الخصومات السياسية يجب أن تظل ضمن حدود الترافع عن حقوق الساكنة، ولا يجب أن تتحول إلى حملات تشويه تستهدف الأشخاص وحياتهم الخاصة.'