أي ظهور تكنولوجي متقدّم، ومغاير لمعالم المجتمع، يولّد مخاوف لدى فئات المجتمع، والسبب الرئيسي حول هذه المخاوف هو الجهل، وهو سبب مشروع، فالإنسان عدو ما يجهل. لذا ليست مستغربة الآن المخاوف من الذكاء الاصطناعي، سواء على مستوى تشريعي أو اجتماعي أو حتى إنساني، بل وصلت هذه المخاوف إلى السؤال الدارج: «هل الذكاء الاصطناعي سيستبدل الإنسان؟». ولأن هذه التكنولوجيا ليست جديدة فقط، بل سريعة في التحرك إلى حد يصعب اللحاق بها، فالخوف منها مُبرر. لكن، عند النظر إلى دول العالم، كالصين وأمريكا والاتحاد الأوربي، نجد أنها بدأت بإصدار تشريعات تحاول السيطرة على هذه التكنولوجيا الحديثة، بحيث تسيّرها بما يتماشى مع مصلحة البلاد والعباد.

ومن هنا أصبح مهماً جداً أن يتم إصدار تشريعات تحاكي الوضع التكنولوجي الدولي القائم، ليس فقط دعماً للتطور والتقدم التكنولوجي، بل هو حفاظ على السلامة الاجتماعية من أخطار الذكاء الاصطناعي. وهذا ما سلّطتُ الضوء عليه عند دراستي للحصول على شهادة «حوكمة وقانون الذكاء الاصطناعي» من جامعة لندن للاقتصاد (LSE).

بداية يجب تحديد مفهوم الذكاء الاصطناعي، فبشكل مبسط: الذكاء الاصطناعي هو اشباع نظام تكنولوجي بكمية هائلة من المعلومات، بهدف تستطيع هذه الآلة التصرف كما يتصرف العقل البشري. ونجد أن الركيزة الأساسية، التي يتكئ عليها الذكاء الاصطناعي هي كمية المعلومات الهائلة، أو كما تسمى نهر المعلومات Data Lake. ولأن هذا النهر يجب أن يُشبّع بمعلومات عامة وخاصة، داخلية ودولية، تجارية واقتصادية، فإن دول العالم اغتنمت فرصة شركات الذكاء الاصطناعي، لكي تكون المظهر التكنولوجي الأساسي للتعاون بين القطاعين العام والخاص. وأصبحت تستثمر أموالاً ووقتاً وجهداً للتعاون بين شركات الذكاء الاصطناعي الموجودة لديها، وتمثل الدولة التي تنتمي إليها، لتكون اللاعب الرئيسي في مجال الذكاء الاصطناعي العالمي. ومن هنا ارتأت الدول أهمية أن تكون هذه المعلومات محصنة ومصانة تشريعياً، بحيث طوّرت تشريعاتها الخاصة بحماية المعلومات لتواكب أنظمة الذكاء الاصطناعي.

فمثلاً قانون الذكاء الاصطناعي الأوربي يمنع أولاً الحصول على هذه المعلومات بشكل غير قانوني، وثانياً يمنع تخزين المعلومات بشكل متحيّز أو عنصري. ومثال على ذلك، لا يمكن الحصول على معلومات شخصية عن المستخدم عن طريق الاحتيال أو الاستيلاء اللفظي، بحيث يعتقد المتعامل مع النظام أنه يتحدث مع بني آدم لا آلة. وإذا تم الحصول على معلومة معيّنة، مثل الشهادة الدراسية للمتعامل، لا يمكن

تخزينها بشكل متحيز، بحيث يتم التقليل من التصنيف التعليمي، لأن حامل الشهادة أنثى وليس ذكراً.

ورغم وجود تشريعات مهمة كويتية تحاكي أمن المعلومات، مثل قانون المعاملات الإلكترونية (20/2014)، الذي يحمي سرية المراسلات الإلكترونية، ويقيم مسؤولية على مزودي خدمة الانترنت المتعاملة بالبيانات الإلكترونية، أو قانون مكافحة تقنية المعلومات (63/2015)، الذي يسلط الضوء على جرائم مثل الدخول بغير إذن (Hacking)، إلا أن التشريع الكويتي ينقصه تشريع واضح وصريح، ينظم عمليات الاستحواذ على المعلومات من قبل شركات الذكاء الاصطناعي، ومن ثم كيفية التعامل معها. وقد يعتقد البعض أن مثل هذا القانون ليس مهماً في الكويت، باعتبار أنه ليس لدينا شركة ذكاء اصطناعي عملاقة تتماشى مع Chat GPT مثلاً، لكن هذا غير صحيح كلياً. فبالرغم من عدم وجود شركة كويتية كهذه، فإن المناخ الكويتي لا يخلو من استخدام مثل هذه الأنظمة، التي قد تستغل عدم وجود تشريع واضح، يمنعها أولاً من الحصول على معلومات من المستخدم الكويتي بشكل غير صحيح، وثانياً تخزينها بشكل غير صحيح، ومن ثم استخدامها بما لا يرضي المستخدم.

ويمكن القول إن أفضل قانون حالي ينظم سلامة عمليات الذكاء الاصطناعي، منذ البرمجة حتى انتهاء استخدام المتعامل، هو قانون الاتحاد الأوربي (EU AI Act). ومن هنا يمكن تبني التقسيم ذاته، الذي تبناه هذا القانون، والذي أوجد أربع فئات لمجالات الذكاء الاصطناعي بحسب درجة الخطورة. أولاً: يمنع منعاً باتاً استعمال الذكاء الاصطناعي في المجالات، التي تهدد أمن وسلم المجتمعات ومبادئ المجتمع الرئيسية. ثانياً: فئة الخطر العالي التي تُشدَد إجراءات السماح لها بالتشغيل، كالذكاء الاصطناعي المستخدم في القطاعات المهمة (القضاء، الصحة، السلطة التنفيذية، التمويل.. إلخ). ثالثاً: فئة الخطر الخفيف، الذي يجوز استخدامه، شريطة أن يتحلى المبرمج بالشفافية التامة مع المستخدم. رابعاً: فئة الخطر القليل أو غير الموجود، الذي يجيز استخدامه وبرمجته دون التزامات قانونية صارمة سوى التقارير شبه السنوية، مثل ألعاب الفيديو المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. وحبّذا استصدار تشريع ينظّم ويجيز الذكاء الاصطناعي من حيث الخطورة، لا كالذي يراه الاتحاد الأوربي يتماشى مع بيئاته، بل الذي يراه المشرّع الكويتي يتماشى مع بيئتنا الكويتية.

فادية الرفاعي