اخبار تونس
موقع كل يوم -أنباء تونس
نشر بتاريخ: ١٠ كانون الأول ٢٠٢٥
يحيي الرابطيات والرابطيون، وكافة المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذكرى السابعة والسبعين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948، وهو الحدث الذي شكّل نقطة تحوّل تاريخية في مسار ترسيخ القيم الكونية للحرية والكرامة والمساواة، وأسهم في توسيع مفهوم حقوق الإنسان ليشمل مختلف أبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية من خلال منظومة متكاملة من الاتفاقيات والمعاهدات والآليات الدولية.
غير أنّ إحياء هذه الذكرى هذه السنة، يأتي في سياق عالمي وإقليمي ووطني بالغ التعقيد و يتّسم بتصاعد واضح لانتهاكات حقوق الإنسان و تنامي خطاب التشكيك في كونيتها وعدم تجزئتها وجدواها. وهي موجة تستغلّها جهات رسمية وغير رسمية لتبرير الانتقاص من الحقوق و القيود على الحريات ولشرعنة السياسات السلطوية.
وفي هذا السياق، تبرز المأساة الفلسطينية كأحد أبرز عناوين الانهيار الأخلاقي للنظام الدولي. حيث يتواصل العدوان الدموي و جرائم الحرب و التهجير القسري للشعب الفلسطيني، الموثق صلب التقارير الدولية مع عجز مؤسسات الأمم المتحدة عن فرض احترام القانون الدولي الإنساني في ضل ازدواجية المعايير وحماية القوى الكبرى الاستعمارية للاحتلال الصهيوني. وتؤكد الرابطة أنّ الدفاع عن الحقوق الكونية لا يكتمل دون دعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية وتقرير مصيره وقيام دولته المستقلة، ودون إدانة كل الجرائم والانتهاكات التي تستهدفه.
وإذا كان السياق الدولي يشهد تراجعاً خطيراً في منظومة الحقوق الكونية، فإنّ الوضع في تونس خلال سنة 2025 يعكس بدوره مساراً متسارعاً نحو وضع بالغ التعقيد، تتداخل فيه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتتزايد خلاله الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان و الحريات، في ظل مركزة غير مسبوق للسلطة وتراجع واضح لدور المؤسسات.
فقد شهدت السنة الأخيرة تصاعد أشكال التضييق على الحريات وانتهاكات حقوق الانسان، حيث تكثفت الملاحقة القضائية والإيقافات ضد النشطاء السياسيين والمدنيين المعارضين في قضايا ملفقة غابت فيها أبسط شروط المحاكمة العادلة، وتم خلالها الدوس على حقوقهم الأساسية ورافقتها في أغلب الأحيان حملات التخوين والتحريض ضد كل نفس معارض. ولم يسلم الإعلاميون المستقلون من هذه الممارسات، فقد طالتهم التتبعات القضائية والإيقافات والأحكام بالسجن على خلفية ممارستهم لعملهم الصحفي، كما يتواصل استهداف المنابر الإعلامية المستقلة من أجل إخضاعها ولجم صوتها بمختلف الأشكال.
كما تصاعد التضييق على منظمات المجتمع المدني بتواصل تلفيق القضايا والتتبعات و الزج بعديد مناضلاتها ومناضيلها في السجون. واستصدار الأحكام القاضية بتعليق نشاط عدد منها دون سند حقيقي، وتفاقم حملات التخوين والتشويه التي تستهدفها.
وفي نفس السياق تواصل السلطة سعيها لإخضاع القضاء وجعله عصا لضرب خصومها ومعارضيها بل وكل جسم مستقل عنها، من خلال جعل القضاء وظيفة لدى السلطة التنفيذية، و تواصل تغييب المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية وترهيب القضاة والتحكم في مساراتهم المهنية وعزل ونقلة وتسمية القضاة بموجب مذكرات وزارية وتشديد خطاب التهديد والشيطنة ضدهم.
وتأتي هذه الأوضاع في ظل تفاقم معاناة المواطنات والمواطنين من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والصحية ووصولها إلى مراحل غير مسبوقة من ارتفاع جنوني للأسعار وفقدان للمواد الحياتية وتدهور للخدمات العمومية الأساسية وتفاقم المشاكل البيئية. وسط غياب لأي سياسة واضحة وعقلانية لمعالجة هذه الأوضاع وإصرار السلطة على رفض أي حوار بما في ذلك الحوار الاجتماعي، و تعليقها على شماعة مؤامرات وهمية يحيكها مناوئون موهومون. وذلك للتفصي من المسؤولية في ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للشعب من جهة واستعمال الأزمة للتحريض على المعارضين و النقابيين و ملاحقتهم قضائيا من جهة أخرى.
وإلى جانب هذه الانتهاكات، تشهد أماكن الاحتجاز في تونس تدهوراً خطيراً في ظروف الإيواء والمعاملة، حيث و بالإضافة إلى ما عاينته هياكل الرابطة إثناء زياراتها، تزايدت خلال السنة الأخيرة التقارير والشهادات حول عديد الانتهاكات الجسيمة. كما سُجلت حالات موت مستراب في عدد من مراكز الإيقاف والسجون. كل ذلك في ظل غياب الشفافية وعدم فتح تحقيقات جدّية ومستقلة للكشف عن ملابساتها ومحاسبة المسؤولين عنها. ويتعمّق القلق إزاء هذه الأوضاع مع منع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مؤخرا، في خمس مناسبات متتالية، من زيارة السجون رغم الاتفاقية المبرمة مع وزارة العدل. وهو منع غير مبرّر قانونياً يمسّ بدور الرابطة الرقابي ويثير مخاوف جدية حول ما يُراد حجبه بخصوص أوضاع المحتج، ويمثّل مؤشراً إضافياً على السعي إلى الحدّ من الشفافية وإعاقة مراقبة الانتهاكات داخل أماكن الحرمان من الحرية.
إن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، واستنادا إلى مرجعيتها الحقوقية الكونية ورصيدها ودورها الوطني، تعبر عن:

























