البعد_الاخر … مصعب بريــر … خطوات حتمية لتعزيز العدالة الوظيفية بالخدمة المدنية السودانية ..!

لا تزال فجوة العدالة الوظيفية تمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه إصلاح الخدمة المدنية السودانية وتعيق تحقيق كفاءة مؤسسية مستدامة. هذه الفجوة، التي تتجسد في تفاوت غير مبرر في الأجور، الحوافز، المخصصات، والترقيات، وتوزيع الفرص، والتدريب أثناء الخدمة، وممارسات التوظيف، ليست مجرد قضية إدارية بحتة، بل هي قضية محورية تتعلق بالاستقرار الاجتماعي والثقة في مؤسسات الدولة. ومع التطلع إلى مستقبل أكثر ازدهارًا بعد حرب الكرامة الوجودية التى تعيشها بلادنا الحبيبة حاليا، فإن ردم هذه الهوة يصبح إجراءً حتميًا وليس رفاهية.

تبدأ الخطوة الأولى والحتمية في التشخيص الشامل والشفافية المطلقة. يجب إجراء مراجعة مستقلة وشاملة لجميع هياكل الوظائف والرواتب والبدلات والمخصصات بحسب التمييز المهنى او الوظيفى في كل الوزارات والمؤسسات الحكومية. يجب أن تُنشر نتائج هذه المراجعة بشكل علني لتحديد مكامن الخلل والتفاوت بشكل واضح، سواء تلك القائمة على المحسوبية، أو الانتماء الجهوي، او الانتقاء المهنى لبعض الفئات المسيطرة على القرار أو حتى النوع الاجتماعي. لا يمكن علاج مرض لم يتم تشخيصه بعد.

تلي ذلك الخطوة الثانية المتمثلة في إصلاح نظام التوظيف. يجب أن يُبنى التوظيف في الخدمة المدنية على مبادئ الجدارة والكفاءة فقط، من خلال اختبارات تنافسية موضوعية وشفافة تُعقد علنًا وتُعلن نتائجها للعموم. يجب أن يتم توحيد معايير التعيين لجميع المتقدمين، والحد تمامًا من ظاهرة 'الواسطة' والمحسوبية التي أنهكت مؤسسات الدولة وأفقدتها كفاءاتها الأساسية.

أما المحور الثالث، فيكمن في عدالة النظام المالي والترقي. يتطلب الأمر وضع هيكل موحد وواضح للرواتب والبدلات والعلاوات والمخصصات، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بطبيعة العمل، ودرجة المسؤولية، والأداء، والأقدمية بشكل عادل، وليس بالجهة او الفئة المهنية أو الوزارة التي يعمل بها الموظف، يجب أن تخضع عمليات الترقية لمعايير أداء موضوعية وقابلة للقياس، تُعلن للموظفين مسبقًا، وتُطبق على الجميع دون تحيز.

لا يمكن إغفال تمكين المرأة وضمان تكافؤ الفرص كخطوة رابعة حاسمة. هناك حاجة ملحة لسياسات فعالة تضمن تمثيلًا عادلًا للمرأة في المناصب القيادية والإدارية العليا، وتحميها من أي تمييز في الأجور أو الفرص المبنى على النوع الاجتماعي. كما يجب توفير بيئة عمل داعمة تتضمن حلولاً مرنة للتوازن بين الحياة العملية والأسرية.

أخيرًا وليس آخرًا، مكافحة الفساد الإداري هو حجر الزاوية في هذا البناء. يتطلب ذلك تعزيز آليات الرقابة الداخلية والخارجية، وإنشاء قنوات آمنة للإبلاغ عن حالات المحسوبية والفساد، مع ضمان حماية المبلغين. يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لمحاسبة المقصرين والمتجاوزين بغض النظر عن مناصبهم أو نفوذهم.

بعد اخير :

خلاصة القول، إن ردم فجوة العدالة الوظيفية في الخدمة المدنية السودانية هو استثمار في رأس المال البشري، وهو الركيزة الأساسية لأي تنمية حقيقية. هذه الخطوات ليست صعبة المنال، ولكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية، وشجاعة إدارية، ومشاركة مجتمعية فاعلة لمراقبة تنفيذها.. واخيراً، المستقبل الذي يتسع للجميع بالعدل والمساواة هو مستقبل يستوجب البناء، والوقت الآن هو وقت العمل الحثيث لتحقيقه … و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة

حسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

#البعد_الاخر | مصعب بريــر |

الثلاثاء (2 سبتمبر 2025م)

musapbrear@gmail.com