خدعة نتنياهو الكبرى: لماذا يخشى من الجيش المصري في سيناء؟

متابعات- نبض السودان

أثار تقرير إسرائيلي-أمريكي ضجة واسعة بعد أن زعمت تل أبيب أن الجيش المصري يقوم بتعزيزات عسكرية غير مسبوقة في شبه جزيرة سيناء، وهو ما اعتبره اللواء سمير فرج، مدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق بالقوات المسلحة المصرية، مجرد 'خدعة نتنياهو' لإشغال الداخل الإسرائيلي، مؤكداً أن الرسالة ليست موجهة إلى مصر بقدر ما هي للاستهلاك الداخلي داخل إسرائيل.

مخاوف إسرائيلية وتصعيد إعلامي

القناة 12 الإسرائيلية المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى جانب موقع أكسيوس الأمريكي، نشرتا تقارير تزعم أن القاهرة تُنشئ مدارج جديدة للطائرات المقاتلة وتبني مواقع تحت الأرض لتخزين الصواريخ، معتبرة ذلك انتهاكاً لمعاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية. ووفقاً للتقارير، فإن نتنياهو أثار هذه المخاوف مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في زيارته الأخيرة، محاولاً حشد الدعم الأمريكي لممارسة الضغط على مصر.

رسالة داخلية أكثر من كونها أزمة حقيقية

اللواء سمير فرج أكد أن الإدارة الأمريكية لم تنقل إلى مصر أي رسائل بهذا الخصوص، وأنه لو كان هناك انتهاك صريح من الجانب المصري لكانت واشنطن أبلغت القاهرة فوراً. واعتبر أن حديث نتنياهو موجه في المقام الأول لطمأنة الداخل الإسرائيلي الذي يعيش حالة من القلق مع تصاعد الحرب على غزة وفشل إسرائيل في القضاء على المقاومة الفلسطينية.

غزة والنزوح الكبير كخلفية للرسالة

يتزامن هذا التصعيد الإعلامي مع استمرار الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة وتهجير نحو نصف مليون فلسطيني إلى شريط ضيق قرب الحدود مع مصر، في رحلة وصفتها وسائل الإعلام العبرية بأنها 'ذهاب بلا عودة'. ويرى محللون أن نتنياهو يسعى لتضخيم المخاطر الخارجية ليظهر بمظهر الحامي الوحيد لإسرائيل أمام التحديات الإقليمية.

معاهدة السلام والرقابة الدولية

معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979 برعاية أمريكية، حددت مستويات التواجد العسكري في سيناء عبر تقسيمها إلى ثلاث مناطق: 'أ' مدنية بالكامل، 'ب' لقوات مصرية خفيفة، و'ج' خالية من القوات الثقيلة وتخضع لمراقبة قوات متعددة الجنسيات. وأوضح فرج أن أي خرق للاتفاقية يتم رصده بشكل مباشر من قبل المراقبين الدوليين، مؤكداً أن واشنطن لم تبلغ مصر بأي ملاحظات أو شكاوى رسمية.

التطوير المدني ذريعة إسرائيلية

أحد أبرز اعتراضات تل أبيب تمثل في توسعة مطار العريش، لكن الجانب المصري يؤكد أن المطار مدني بالأساس، وأن الاتفاقية لا تمنع إقامة أو تطوير المنشآت المدنية. وأوضح فرج أن هذه الحجة غير منطقية، لأن الأقمار الصناعية قادرة على كشف أي نشاط عسكري حقيقي، وهو ما لم تقدمه إسرائيل حتى الآن كدليل.

تعزيزات لمكافحة الإرهاب لا انتهاك للسلام

مع التحديات الأمنية التي واجهتها سيناء بين عامي 2013 و2021 جراء هجمات تنظيم داعش، سمحت تعديلات لاحقة للاتفاقية بزيادة التواجد العسكري المصري لمكافحة الإرهاب. بل إن إسرائيل نفسها وافقت على نشر لواء كامل مسلح قرب غزة عام 2011. وبالتالي، فإن التعزيزات المصرية الحالية تأتي ضمن حقها السيادي في حماية أمنها ومنع تسلل الإرهاب أو تدفق اللاجئين.

تكرار الاعتراضات دون إجراءات أمريكية

لم تكن هذه المرة الأولى التي تعترض فيها إسرائيل، ففي فبراير ومارس 2025 قدمت تل أبيب احتجاجات مشابهة، لكن الولايات المتحدة لم تتخذ أي خطوات عملية، مما يعكس إدراكها أن التحركات المصرية لا تتعارض مع نصوص الاتفاقية. وهذا يعزز فرضية أن الهدف الأساسي من تصريحات نتنياهو هو تعزيز موقعه السياسي في الداخل الإسرائيلي.

الأمن القومي المصري خط أحمر

المسؤول العسكري المصري السابق شدد على أن الأمن القومي المصري في سيناء غير قابل للمساومة، وأن التنمية والبنية التحتية هناك جزء من استراتيجية الدولة المصرية لحماية حدودها وتعزيز استقرارها، وليس كما تحاول بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية تصويره بأنه تهديد لاتفاقية السلام.

قراءة في المشهد

يتضح أن 'خدعة نتنياهو' لا تنفصل عن تصاعد الأزمة في غزة، ومحاولته الهروب من مأزقه الداخلي عبر صناعة أعداء خارجيين. وبينما تواصل إسرائيل محاولاتها لإظهار مصر وكأنها مصدر قلق، تبقى الحقيقة أن القاهرة تتحرك وفق معاهدة السلام وتحت رقابة دولية صارمة، مما يجعل الاتهامات الإسرائيلية أقرب إلى الحرب الإعلامية منها إلى الواقع الميداني.