اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
متابعات- نبض السودان
أحيت التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب الآمال في تحريك المياه الراكدة في ملف 'سد النهضة'، خاصة في ظل إعلان إثيوبيا الانتهاء من بناء السد واستعدادها لافتتاحه رسميًا خلال أسابيع. واعتبر مراقبون أن هذه التصريحات قد تُعيد واشنطن إلى قلب المعادلة كوسيط فاعل ومؤثر، بعد أن خفّ دورها خلال السنوات الماضية.
تصريحات ترامب.. هل تقلب الطاولة؟
خلال لقائه مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، أكد ترامب أن بلاده 'تعمل على تسوية النزاع المرتبط بسد النهضة'، مضيفًا: 'نحن على طريق حلّ هذه المشكلة بسرعة كبيرة'، في إشارة واضحة إلى نية أميركية لاستئناف جهود الوساطة.
ولم يتأخر الرد المصري، حيث سارع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الترحيب بتصريحات نظيره الأميركي، مشيدًا بما وصفه بـ'حرص ترامب على التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح جميع الأطراف، وتأكيده على ما يمثله النيل بالنسبة لمصر كمصدر للحياة'.
واشنطن على خط الأزمة مجددًا
يُرجّح دبلوماسيون أن تصريحات ترامب قد تمهّد لعودة قوية للوساطة الأميركية، وهو الدور الذي سبق أن لعبته واشنطن في ولايته الأولى، حين رعت مفاوضات جمعت بين مصر وإثيوبيا والسودان، بدعم من البنك الدولي.
لكن رغم التقدم الذي أحرز في حينه بصياغة اتفاق فني وقانوني متكامل، فإن رفض الجانب الإثيوبي التوقيع عليه أدى إلى انهيار تلك الجهود، وعودة الملف إلى حالة من الجمود، بحسب موقع 'سكاي نيوز عربية'.
هل إثيوبيا جادة في التفاوض؟
شكك وزير مصري سابق، في تصريحات لـ'سكاي نيوز عربية'، في جدية إثيوبيا بشأن أي مفاوضات مستقبلية، خاصة مع اكتمال بناء السد واقتراب افتتاحه رسميًا.
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قد أعلن عن الافتتاح المرتقب لسد النهضة في سبتمبر المقبل، ووجّه دعوة إلى مصر والسودان لحضور مراسم التدشين، مؤكدًا أن السد 'رمز للمنفعة المتبادلة، وليس مصدرًا للصراع أو التهديد'.
مخاوف مصرية سودانية متصاعدة
يقع سد النهضة على النيل الأزرق، الرافد الأهم لنهر النيل، وبدأت أعمال إنشائه في 2011 بتكلفة قاربت 4 مليارات دولار، ويعد المشروع الأكبر في تاريخ إثيوبيا.
وترى القاهرة أن السد يُهدد حصتها 'التاريخية' من مياه النيل، التي تُعد شريان الحياة الرئيسي لمصر. في المقابل، تتخوف الخرطوم من أن يتسبب أي خلل في بنية السد في كارثة بيئية وزراعية على أراضيها، خصوصًا في المناطق المحاذية للنيل الأزرق.
رخا حسن: فرصة حقيقية إن توفرت الإرادة
يرى السفير رخا أحمد حسن، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، أن تصريحات ترامب قد تمثل 'بارقة أمل' إذا توافرت الإرادة السياسية من جميع الأطراف.
وأوضح أن الوساطة الأميركية السابقة فشلت نتيجة غياب الضغوط الحقيقية على إثيوبيا، إلا أن الوضع اليوم مختلف لأسباب أبرزها:
وأضاف أن التفاوض لن يعود إلى نقطة الصفر، بل سيُبنى على ما تم التوصل إليه في مفاوضات واشنطن السابقة التي قادتها وزارة الخزانة الأميركية، بالإضافة إلى الجولات التي تلتها.
ترامب وطموح 'نوبل للسلام'
لفت رخا إلى أن ترامب قد يكون مدفوعًا برغبة في تحقيق 'اختراق دبلوماسي' يسهم في تعزيز فرصه لنيل جائزة نوبل للسلام، موضحًا أن واشنطن تملك أوراق ضغط مؤثرة على إثيوبيا، بما فيها المساعدات الأميركية والمشاريع المشتركة.
وزير الري الأسبق: لا تفاوض دون ضغط
أما وزير الموارد المائية والري الأسبق، الدكتور محمد نصر علام، فقد بدا أقل تفاؤلًا، مشيرًا إلى أن 'التصريحات وحدها لا تكفي'، ما لم تتبعها تحركات وضغوط حقيقية على إثيوبيا.
وأشار إلى أن مصر أعلنت صراحة أنها خرجت من مسار التفاوض بعدما أصبح 'بلا جدوى'، مع استمرار ما وصفه بـ'تعنت إثيوبي' وتكرار المماطلة.
وأوضح أن نحو 60 مليار متر مكعب من المياه باتت محتجزة خلف السد، يُفقد منها نحو 6 مليارات متر مكعب سنويًا بسبب البخر، وهو ما يُخصم مباشرة من حصة مصر والسودان.
ترامب يعترف بـ'حق مصر التاريخي'
من جانبه، اعتبر الدكتور محمد مهران، أستاذ القانون الدولي، أن تصريحات ترامب تمثل 'مكسبًا دبلوماسيًا' لمصر، خصوصًا عندما أقرّ بأن النيل 'مصدر حياة' للمصريين، ما يعكس اعترافًا أميركيًا واضحًا بحقوق مصر التاريخية.
وأكد مهران أن حرص واشنطن على التوصل إلى حل عادل 'يعكس إدراكًا أميركيًا لخطورة الملف'، مرجحًا أن تكون هناك محاولات لإقناع إثيوبيا بالعودة إلى طاولة المفاوضات بحسن نية، خاصة في ظل الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة.
وأوضح أن تصريحات السيسي جاءت بمثابة 'رد دبلوماسي محسوب' يعكس إدراكًا لأهمية الشراكات الدولية، خصوصًا أن حلحلة أزمة سد النهضة باتت تتطلب دعمًا دوليًا مباشرًا، وخصوصًا من القوى الكبرى.
انفراجة مشروطة بإرادة سياسية
في المحصلة، يمكن القول إن عودة الولايات المتحدة إلى واجهة الأزمة قد تفتح بابًا أمام تسوية تفاوضية، لكن ذلك سيبقى مرهونًا بمدى استعداد إثيوبيا للقبول باتفاق قانوني ملزم، وقدرة واشنطن على تحويل التصريحات إلى ضغوط حقيقية تضع حدا لتعقيدات هذا الملف الممتد لعقد من الزمن.