اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٣١ تموز ٢٠٢٥
متابعات – نبض السودان
في قفزة غير مسبوقة نحو مراقبة الأفراد دون علمهم أو موافقتهم، طوّر باحثون في جامعة لا سابينزا الإيطالية نظامًا ثورياً يُدعى «هوفاي – WhoFi» يستخدم إشارات الواي فاي لتحديد وتتبع الأشخاص بدقة تتجاوز 95%، دون الحاجة لأي كاميرات أو أجهزة استشعار ظاهرة، وحتى في الظلام أو خلف الجدران.
ثورة في تقنية المراقبة: الرؤية من خلال الجدران
تعتمد تقنية «هوفاي» على تحليل التغيرات الدقيقة التي تحدث في إشارات الواي فاي عندما تمر الأجسام من خلالها، وهو مبدأ يُعرف باسم Channel State Information (CSI). وتقوم شبكة عصبية عميقة مدرّبة بترجمة هذه التغيرات إلى بصمة حركية فريدة لكل شخص. هذا يعني أن وجود الشخص فقط داخل مدى شبكة واي فاي يكفي لتتبعه، حتى دون أن يحمل أي جهاز أو يُشاهد بكاميرا.
فعالية في الظلام ومع أجهزة رخيصة
الأمر اللافت أن هذا الإنجاز لم يتطلب معدات متخصصة أو مكلفة. بل تم استخدام أجهزة 'واي فاي' منزلية شائعة مثل «TP‑Link N750»، ما يفتح الباب واسعًا أمام سهولة اعتماد التقنية في المستقبل. وتُظهر نتائج التجارب أن 'هوفاي' يتفوق على أنظمة التعرف التقليدية التي تعتمد على الرؤية، مثل الكاميرات، إذ يعمل بنفس الكفاءة حتى في الظلام التام أو من خلف الجدران الصلبة.
الخصوصية على المحك: تقنية مقلقة ومثيرة للجدل
رغم تطمينات الباحثين بأن التقنية لا تجمع بيانات شخصية ولا تحدد هوية الأشخاص بشكل مباشر، بل تعتمد على الأنماط الفيزيائية، إلا أن دقة النظام وإمكانية استخدامه دون علم الفرد أثارت قلقًا واسعًا. ففي بيئة مثل المنازل، المتاجر، أو المطارات، قد يعني ذلك مراقبة سلوك الأفراد وعاداتهم دون إشعار أو إذن.
من 'EyeFi' إلى 'WhoFi': قفزة نوعية في الأداء
هذا الابتكار جاء بعد جهود سابقة لنفس الفريق في تطوير نظام مشابه يدعى «آي فاي – EyeFi»، إلا أن دقته لم تتجاوز 75%. أما «هوفاي»، فاعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة باستخدام نماذج تعتمد أسلوب Transformer، ما مكّنه من تحليل التغيرات بشكل أكثر تعقيدًا ودقة عبر الزمن والمساحة. النتيجة كانت نظامًا يتفوق في الأداء والمساحة التي يمكنه تغطيتها، ليصل إلى تغطية كامل نطاق شبكة الواي فاي.
فرص واعدة في الأسواق… وخطر في الكواليس
من الناحية التجارية، تفتح هذه التقنية آفاقًا لاستخدامات متعددة في عالم التجزئة، كتحليل حركة الزبائن، وتقديم عروض مخصصة لهم دون الحاجة لكاميرات أو بطاقات دخول. أما في عالم الأمن، فقد تصبح أداة قوية لتعقب المشتبه بهم، أو حتى مراقبة أماكن التجمعات دون الحاجة إلى تصوير أو تسجيل مباشر.
لكن في المقابل، فإن غياب أدوات الرقابة والضوابط القانونية على استخدامها يثير جدلًا متصاعدًا، خصوصًا أن هذه التقنية يمكن أن تُستغل لتقويض الحريات الفردية أو مراقبة الاحتجاجات السياسية أو النشاطات الاجتماعية.
'هوفاي' لا يزال مشروعًا بحثيًا… ولكن الطريق مفتوح للتبني
رغم أن التقنية ما تزال في طور البحث الأكاديمي، إلا أن توافقها مع معايير الاتصال اللاسلكي الحديثة مثل «IEEE 802.11bf» يجعلها مرشحة لاعتماد واسع في المستقبل القريب. وقد بدأنا نرى بالفعل تقنيات مشابهة تدخل في مجالات الصحة مثل مراقبة كبار السن واكتشاف السقوط أو حتى التحكم بالإيماءات داخل المنازل.
«بصمة غير مرئية» في عصر المراقبة الذكية
اللافت في هذه التقنية هو أنها تمثل تطورًا لما يمكن وصفه بـ«البصمة المجسمة غير المرئية». لم يعد التعرف على الأشخاص وحركاتهم مرتبطًا بالضوء أو الكاميرا، بل بالشبكات اللاسلكية التي تملأ المنازل والمكاتب والمراكز التجارية. وبهذا تصبح كل بيئة مزوّدة بالواي فاي قادرة على 'رؤيتك' ومتابعتك في كل خطوة… حتى من خلف الجدران