اخبار السودان
موقع كل يوم -نبض السودان
نشر بتاريخ: ٢٢ أب ٢٠٢٥
متابعات- نبض السودان
في خطوة وُصفت بالجريئة، أصدر مجلس الوزراء السوداني الأربعاء الماضي حزمة قرارات تهدف لضبط الوضع الاقتصادي المترنح، في محاولة لوقف الانهيار المريع لقيمة الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية.
وشملت القرارات إجراءات مشددة لمكافحة التهريب، وضبط عمليات الاستيراد والتصدير، إضافة إلى فرض قيود صارمة على تجارة الذهب وتنظيمها بما يضمن عوائد حقيقية لخزينة الدولة.
القرارات التي جاءت تحت إشراف مباشر من لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء كامل إدريس، اعتبرها البعض بمثابة حلول إسعافية عاجلة، فيما يراها آخرون تكراراً لتجارب سابقة فشلت في تحقيق نتائج ملموسة.
هل هي نسخة جديدة من حلول قديمة؟
يرى مراقبون أن القرارات العشرة التي أقرتها الحكومة شبيهة بتجارب سابقة لم تُثمر، خصوصاً لجنة الطوارئ الاقتصادية التي أنشئت في عهد الحكومة الانتقالية السابقة بقيادة حميدتي، والتي لم تحقق أي نتائج إيجابية.
كما تمت مقارنتها بلجان أقدم شكلها الرئيس المعزول عمر البشير، والتي انتهت إلى فشل ذريع.
ومع ذلك، يشير خبراء إلى أن تقييم القرارات الحالية مرهون بآلية التنفيذ ومدى صرامة الحكومة في فرضها، وليس بالقرارات نفسها، التي قد تحمل في طياتها فرصاً حقيقية للحد من الانهيار الاقتصادي إن وجدت إرادة حقيقية للتطبيق.
قرارات جريئة لكنها جزئية
تضمنت القرارات إجراءات حاسمة للحد من التهريب والسيطرة على قطاع الذهب، وهو القطاع الأكثر حساسية للاقتصاد السوداني. كما شملت تنظيم عمليات الاستيراد وحظر دخول أي سلع لا تستوفي الضوابط المصرفية أو لا تتوافق مع المواصفات القياسية.
وشددت القرارات على منع استيراد السيارات بطرق غير شرعية، باعتبارها واحدة من أكبر مسببات نزيف العملة الصعبة، بجانب إنشاء منصة رقمية قومية لتتبع حركة الصادر والوارد.
لكن يؤخذ على القرارات أنها ذات طابع جزئي وإسعافي، يغلب عليها الطابع الأمني والإداري، دون أن تُطرح ضمن برنامج اقتصادي متكامل يضع حلولاً شاملة لمعالجة جذور الأزمة، خاصة في القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة.
معركة مع مافيا الاقتصاد
يبدو أن القرارات حرّكت بالفعل 'جحور الأفاعي'، إذ اصطدمت مباشرة بمافيات السوق السوداء وتجار العملة، الذين ردوا سريعاً بارتفاع غير مسبوق في أسعار العملات الأجنبية. فقد قفز الدولار إلى 3400 جنيه، واليورو إلى 3954 جنيهاً، والريال السعودي إلى 907 جنيهات، بينما وصل الجنيه المصري إلى 70 جنيهاً، في مؤشر واضح على مقاومة شرسة من شبكات النفوذ الاقتصادي.
كما أعلنت شعبة مصدّري الذهب رفضها للقرارات، محذّرة من أنها قد تزيد من ظاهرة التهريب بدلاً من تقليلها، معتبرة أن حصر شراء وتسويق الذهب في جهة حكومية واحدة سيؤدي إلى احتكار السوق، ما يضر بالاقتصاد ويزيد من الأزمات.
اقتصاد مرهون بالإرادة السياسية
تكشف هذه التطورات أن معركة الإصلاح الاقتصادي في السودان ليست مجرد قرارات مكتوبة، بل حرب حقيقية ضد شبكات مصالح واسعة تجمع بين أصحاب المال والنفوذ داخل الجهاز التنفيذي. وهي مافيات متغلغلة في مفاصل الدولة، ولن تتوانى في استخدام كافة الوسائل لإفشال أي محاولة إصلاحية تهدد مكاسبها.
ويبقى الرهان على قدرة حكومة كامل إدريس على فرض إرادتها، وتحويل هذه القرارات من مجرد إجراءات إسعافية إلى مدخل لإصلاح اقتصادي حقيقي.
فبدون إرادة سياسية صلبة، وتنسيق متكامل داخل الجهاز التنفيذي، قد تنتهي هذه الجهود سريعاً كما انتهت سابقاتها، بل وتترك آثاراً كارثية على مستقبل الاقتصاد السوداني.
إنها معركة حياة أو موت للاقتصاد الوطني، وقد تكون المحك الحقيقي لحكومة الأمل في إثبات جدارتها أو سقوطها في أول اختبار حقيقي أمام الشعب.