ذهب السودان.. حكاية الثروة التي تحولت إلى لعنة حرب

متابعات- نبض السودان

أصبح الذهب المهرب في السودان أحد أهم ركائز اقتصاد الظل الذي يموّل الحرب المستمرة منذ أبريل 2023، حيث تحولت مناجم الذهب ومنافذ تصديره مصدر تمويل دائم  لقوات الدعم السريع التي تعمل على تأجيج الحرب واستهداف المدنيين.

وبااتت عائدات المعدن النفيس المصدر الأبرز لتمويل العمليات العسكرية للمليشيا، ما عمّق الأزمة الاقتصادية والإنسانية وأطال أمد النزاع.

السيطرة على مناجم الذهب

منذ اندلاع الحرب، توجه الطرفان المتحاربان نحو السيطرة المنهجية على مناطق التعدين، فوثقت تقارير الأمم المتحدة استمرار عمليات التهريب على نطاق واسع.

اعتمدت قوات الدعم السريع على نموذج مزدوج للتهريب عبر شركتها 'الجنيد' بشكل مؤسسي، إضافة إلى مسارات غير منظمة يقودها عناصرها عبر الحدود مع جنوب السودان ودارفور.

خسائر الاقتصاد والمجتمعات المحلية

أدى تسرب الذهب خارج القنوات الرسمية إلى حرمان خزينة الدولة من إيرادات حيوية، ما فاقم الأزمة المالية. وبحسب تقارير دولية، ارتفعت واردات الذهب في عدة دول إقليمية بالتوازي مع تزايد التهريب من السودان، فيما عانت المجتمعات المحلية من التهجير والانتهاكات نتيجة عسكرة مناطق التعدين. أما سياسيًا، فقد وفرت العائدات المالية استقلالية اقتصادية لأطراف النزاع مكنتهم من الاستمرار في الحرب بعيدًا عن الضغوط الدولية.

منهجية التقرير

استند التقرير إلى تحليل المصادر المفتوحة وإجراء مقابلات سرية مع عمال مناجم وتجار ذهب وموظفين سابقين في شركات تعدين سودانية. كما تتبع الصادرات غير المسبوقة للذهب من دول مثل الإمارات وجنوب السودان وتشاد وأوغندا وكينيا منذ بداية الحرب. وخلصت البيانات إلى أن الارتفاع في واردات تلك الدول يتناسب مع حجم الذهب السوداني المهرب.

الذهب بعد انفصال النفط

منذ انفصال جنوب السودان في 2011 وفقدان ثلاثة أرباع عائدات النفط، أصبح الذهب المورد الأساسي للعملات الصعبة. غير أن ما يقارب 80% من الإنتاج يُهرّب إلى الخارج، بينما يعمل في التعدين التقليدي أكثر من مليوني شخص ينتجون 80% من الذهب السوداني. وتُقدّر عائدات الذهب في 2022 بنحو 2 مليار دولار، إلا أن الحرب الأخيرة قلبت الموازين مع انهيار الإنتاج وتراجع الصادرات الرسمية.

طرق التهريب

تستخدم قوات الدعم السريع مسارات برية عبر جنوب السودان وأفريقيا الوسطى وتشاد، إضافة إلى مطار نيالا، هذه الشبكات تمتد لتشمل وسطاء إقليميين يسهّلون دخول الذهب إلى أسواق عالمية، وعلى رأسها الإمارات، التي استحوذت على النصيب الأكبر من الصادرات السودانية.

الذهب كأداة للنفوذ السياسي

كشفت تسريبات عن سيطرة قوات الدعم السريع  على مصفاة الذهب السودانية ونهب الأسواق والمنازل. وقد تحولت عمليات النهب إلى حافز رئيسي للمجندين الجدد، لكنها في الوقت ذاته قوّضت خطاب الدعم السريع السياسي.

تحول الذهب السوداني من مورد اقتصادي كان من الممكن أن ينهض بالبلاد، إلى لعنة تؤجج الحرب وتعزز اقتصاد الظل. وبينما يهرب المعدن النفيس عبر شبكات معقدة تضم أطرافًا محلية وإقليمية ودولية، يبقى الشعب السوداني الخاسر الأكبر من استمرار النزيف الاقتصادي والسياسي، حيث يموّل الذهب صراعًا يهدد وحدة الدولة ومستقبلها.