اخبار سلطنة عُمان
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ٤ حزيران ٢٠٢٥
طه العاني - الخليج أونلاين
ما الذي يميز هذه الجولة من التحركات الأوروبية الخليجية؟
لماذا فشلت المفاوضات السابقة رغم مرور أكثر من عقد ونصف؟
تشهد العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي تحركاً جديداً نحو استئناف مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، المتوقفة منذ سنوات.
وتأتي هذه المبادرة ضمن استراتيجية أوروبية تهدف إلى توسيع الشراكات التجارية مع قوى إقليمية مؤثرة، وسط تصاعد التحديات الجيوسياسية والضغوط التجارية الدولية.
استراتيجية جديدة
استمرت محادثات اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون في حالة جمود لأكثر من 16 عاماً، رغم محاولات متكررة لاستئنافها.
وتشير المفوضية الأوروبية، في تصريح خاص لصحيفة 'الاقتصادية' السعودية، إلى أن المفاوضات لم تصل إلى اتفاق نهائي بسبب 'خلافات قابلة للحل'، لكنها أبدت استعداداً للعودة إلى طاولة النقاش على مستوى الخبراء.
وتعود جذور توقف المفاوضات إلى عام 2008، حين اصطدم الطرفان باختلافات عميقة في مستوى الطموح، أبرزها إصرار خليجي على فرض رسوم جمركية على سلع استراتيجية، مقابل مطالب أوروبية بمرونة أكبر في السوق.
وأكدت المفوضية أن البيانين المشتركين، في مايو 2022 وأكتوبر 2024، وضعا أجندة شاملة للتعاون الثنائي تشمل التجارة، والأمن، والمناخ، وتوفير بيئة مناسبة لإحياء الحوار حول الاتفاق التجاري.
من جهته، أوضح مصدر خليجي مطلع لـ'الاقتصادية'، في 31 مايو الماضي، أن الاجتماعات بين الجانبين لم تنقطع، وتُعقد بشكل افتراضي أو على مستوى كبار المسؤولين، دون تحديد موعد رسمي للجولة المقبلة.
فرص متجددة
أعاد تصاعد التوترات التجارية العالمية، لا سيما بعد فرض رسوم جمركية أمريكية بنسبة 20% على الصادرات الأوروبية، توجيه أنظار الاتحاد الأوروبي نحو تعزيز شراكاته مع أسواق بديلة، وفي مقدمتها دول الخليج.
وفي هذا الإطار، أكد المسؤول الأوروبي الرفيع، في تصريح لـ'الاقتصادية'، بتاريخ 30 مايو 2025، أن الاتحاد الأوروبي 'مستعد تماماً لاستئناف مفاوضات التجارة الحرة مع دول الخليج'، مشيراً إلى أن هذا التوجه مدعوم ببرنامج عمل مشترك أُقر في القمة الخليجية الأوروبية التي عقدت في العاصمة البلجيكية بروكسل في أكتوبر 2024.
كما صرّح رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، الألماني ديفيد ماكليستر، لصحيفة 'الشرق الأوسط'، في 20 أبريل 2025، أن 'الشراكة مع السعودية اليوم أقوى من أي وقت مضى'، مؤكّداً أن البرلمان الأوروبي يسعى إلى ترقية العلاقة إلى اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة.
وأشار المسؤول الأوروبي إلى أن الاتحاد بدأ كذلك مفاوضات ثنائية مع الإمارات بشأن اتفاق تجارة حرة، مؤكداً أن المسارات الثنائية لا تتعارض مع المسار الجماعي مع دول مجلس التعاون، بل قد تسهم في تسريع وتيرة التفاهم حول البنود الفنية.
وشدد ماكليستر على أن أوروبا تسعى إلى تنويع الشركاء التجاريين ومصادر الطاقة وسلاسل الإمداد، في إطار 'أجندة تجارية طموحة' تشمل أيضاً اتفاقيات مرتقبة مع الهند، وأستراليا، والمكسيك، ودول أمريكا اللاتينية.
خطوة مهمة
ويؤكد الكاتب والمحلل الاقتصادي، سعيد خليل العبسي، أن بدء مفاوضات التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج يمثل خطوة استراتيجية تهدف إلى إبرام اتفاق تجاري شامل، كما يهدف هذا الاتفاق إلى خفض أو إلغاء الرسوم الجمركية، وتسهيل حركة البضائع والخدمات، وتشجيع الاستثمار، فضلاً عن تعزيز العلاقات الاقتصادية والجيوسياسية بين الجانبين.
ويوضح لـ'الخليج أونلاين' أن هذا الاتفاق سيسهم بشكل كبير في دعم جهود دول الخليج لتنويع مصادر دخلها وجذب الاستثمارات الأجنبية، كما سيفتح أسواقاً أوروبية واسعة أمام صادراتها ويُمكن من نقل التكنولوجيا الأوروبية وتوطينها.
ويرى العبسي أن الفائدة لن تقتصر على دول الخليج فحسب، بل سيعود الاتفاق بالنفع على دول الاتحاد الأوروبي أيضاً؛ فبضائعها ستصل بسهولة ويسر إلى أسواق تُعد من الأغنى عالمياً، وستُتاح لدول الاتحاد فرصة الاستثمار في دول الخليج العربي والمشاركة في تحقيق رؤاها الوطنية، مما يعزز علاقاتها الجيوسياسية.
ويشير إلى أن توقيع الاتفاقية سيفتح أسواقاً جديدة أمام الصناعات والخدمات الخليجية، ويدفعها لرفع جودة منتجاتها لتتوافق مع المواصفات الأوروبية. كما سيُحفز المستثمرين المحليين على الاستثمار في المجالات التي يمكن تصدير منتجاتها إلى الاتحاد الأوروبي، مع توفير فرصة سانحة لنقل المعرفة والتقنيات الحديثة.
ويضيف العبسي أنه رغم الإيجابيات الكبيرة التي يمكن أن تجنيها الصناعات الخليجية، فإنها ستواجه في الوقت ذاته تحدياً كبيراً يتمثل في المنافسة مع الصناع الأوروبيين. وهذا التحدي سيُحفزها لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه التحديات، وهو ما يُعوّل عليه من هذه الاتفاقية.
نقطة تحول
يمثل تقارب الرؤى بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي خطوة استراتيجية نحو إعادة تشكيل العلاقة الاقتصادية، في ظل تحولات الطاقة العالمية، وتحديات التنويع الاقتصادي، وسباق التحول الرقمي والبيئي.
وتأتي هذه المرحلة في أعقاب انعقاد أول قمة خليجية أوروبية على مستوى القادة منذ تأسيس العلاقة بين الجانبين قبل نحو أربعة عقود، ما يشير إلى بداية جديدة نحو شراكة أعمق وأوسع.
وفي هذا السياق، أوضح الخبير السعودي في التجارة الدولية، الدكتور فواز العلمي، في مقابلة نُشرت في 16 أكتوبر 2024، أن القمة تمثل 'نقطة تحول' في المسار الخليجي الأوروبي، مشيراً إلى وجود آمال كبيرة في تحقيق اتفاقية شراكة استراتيجية تتضمن الطاقة النظيفة، والاقتصاد الأخضر، والتجارة الحرة قريباً.
وأكد العلمي أن حجم الناتج المحلي الخليجي يبلغ نحو تريليوني دولار، مقابل 16 تريليون دولار لدول الاتحاد الأوروبي، ما يجعل الطرفين يشكلان معاً نحو 20% من الاقتصاد العالمي، ويستحوذان على قرابة 17.5% من التجارة العالمية، وهو ما يُعطي للشراكة بعداً عالمياً لا إقليمياً فقط.
ولفت إلى أن التعاون في مجالات الاقتصاد الأخضر وإنتاج الطاقة النظيفة يشكل فرصة استثمارية نوعية للطرفين، خاصة في مجالات نقل وتوطين التكنولوجيا، وزيادة التدفقات الاستثمارية في القطاعات الحديثة.
في الاتجاه ذاته، شهدت العاصمة القطرية الدوحة، في 28 نوفمبر 2024، انعقاد أعمال المنتدى الخليجي الأوروبي الثامن للأعمال، بحضور وزاري وخبراء من الجانبين، بهدف تعزيز التنويع الاقتصادي وتحفيز التعاون التجاري والاستثماري.
وخلال المنتدى، أكد وزير الدولة القطري لشؤون التجارة الخارجية، الدكتور أحمد بن محمد السيد، أن المنتدى يعكس التزام الطرفين بتحقيق رؤية القادة لتعزيز الشراكة التجارية والاستثمارية.
وأشار السيد إلى أن الاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر شريك تجاري للخليج، بعد أن ارتفع حجم التبادل التجاري من 116 مليار دولار في 2020 إلى أكثر من 196 مليار دولار في 2023، بنسبة نمو بلغت 69%.
ودعا الوزير إلى تسريع المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة، بما يسهم في تطوير بيئة الأعمال، وتحقيق التكامل في الطاقة المستدامة، والتحول الرقمي، وتعزيز مرونة الاقتصادات الخليجية على المدى البعيد.