اخبار المغرب
موقع كل يوم -جريدة الأخبار
نشر بتاريخ: ٣ تشرين الأول ٢٠٢٤
تونس | قدّم أكثر من ثلاثين نائباً موالياً للرئيس التونسي، قيس سعيد، مقترحاً لتغيير القانون الانتخابي، قبيل أسابيع من انتخابات الرئاسة المُزمع عقدها في السادس من تشرين الأول القادم. ويستهدف مقترح القانون إبعاد المحكمة الإدارية من المشهد الانتخابي خوفاً من إلغاء نتائج الانتخابات وإعادتها، وهو ما يُعد سابقة لم تجرؤ عليها أعتى الديكتاتوريات، علماً أن المحكمة المذكورة تمسّكت منذ تأسيسها، وفي أكثر من مناسبة، باستقلاليتها عن السلطة، وحتى في أحلك فترات الضغط على القضاء وتطويعه زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي. وفي المقابل، يأمل نشطاء وسياسيون أن تنجح تحركاتهم في إحباط المصادقة على هذا المقترح، في الجلسة العامة للبرلمان. وفي محطات سابقة، كانت المحكمة الإدارية تجاهلت كل الوعيد الذي أطلقه الرئيس تجاه القضاء، باعتباره كوادر الأخير مجرد موظفين لدى الدولة. كما لم يرتجف القضاة الإداريون خوفاً بمجرد إعفاء زملائهم من المحاكم العدلية، بل تجرأوا حتى على نقض بعض قرارات الإعفاء التي وقّعها سعيد بنفسه، وروّج لها في خطاباته بوصفها «تطهيراً» للقضاء من الفاسدين. ويضاف إلى ما سبق، إقدام المحكمة الإدارية على إعادة مرشحين مرفوضين من قِبل «هيئة الانتخابات» إلى السباق الانتخابي، حتى بعد كلمة الرئيس التي قال فيها إنه لا مجال لمشاركة من كانوا جزءاً من منظومة حكم «النهضة» وحلفائها في الانتخابات المقبلة. وحينذاك، أصرّت المحكمة على موقفها، مؤكدة أن رفض الهيئة تطبيق قراراتها يضرب شرعية الانتخابات ويقوّضها تماماً، الأمر الذي حفّز الرئيس على تسديد الضربة الأخيرة إلى المحكمة.
والجدير ذكره، هنا، أن القانون الانتخابي ينصّ على أن القضاء الإداري له رقابة على كامل النزاع الانتخابي، وهو المختص بإلغاء نتائج الانتخابات إذا ثبت انعدام شرعية قرارات السلطة التي أشرفت عليها. وفي حال ارتأت المحكمة ذلك، يمكنها أن تنسف المسار الانتخابي برمّته، وتدخل البلاد في مرحلة إعداد لانتخابات أخرى، ما قد يجبر الهيئة على عدم مخالفة قراراتها حتى لا يتكرر الإلغاء. ويبدو جلياً أن السلطة لن تفسح المجال لهكذا سيناريو لكي يتحقق، وهو ما دفعها إلى التسريع في تنقيح القانون الانتخابي من أجل إزاحة المحكمة الإدارية، خصوصاً في ظل تحفّز جميع خصوم سعيد لضرب المسار الانتخابي والطعن في شرعيته. ويرى مراقبون أن الرئيس أحجم عن تغيير القانون بنفسه، بسبب خشيته على صورته دولياً، ولذلك أوكل المهمة إلى النواب الموالين له. وبحسب هؤلاء، فإن المنافس المتبقّي للرئيس، وهو الأمين العام لـ«حركة الشعب» القومية الناصرية، زهير المغزاوي، لن يكون قادراً على الفوز رغم شعبيّته ونشاط حملته الانتخابية الكثيف، معلّلين ذلك بأن كفة الرئيس راجحة طالما سُخّرت كل وسائل الدولة للترويج له ولإنجازاته، ولاستمالة الناخبين وطالما أن الهيئة «فقدت نزاهتها». أيضاً، يشير هؤلاء إلى أن التنقيح ينص على أن تسند صلاحيات المحكمة الإدارية إلى محكمة الاستئناف العدلية، علماً أن القضاء العدلي صار ذراعاً لتنفيذ سياسات وزارة العدل التي يمليها الرئيس شخصياً، وبشكل علني، على الوزيرة في كلمات تُعرض عبر التلفزيون الحكومي. وكانت حملة المرشح الثالث للرئاسيات، العياشي الزمال، تحدّثت عن خروقات إجرائية شابت الملفات التي دعي إلى التحقيق فيها. ويُعد الزمال المرشح الأسوأ حظاً في هذه الانتخابات، إذ أحيل على نصف محاكم البلاد للتحقيق، إلى درجة عرضه على محكمة تونس في الشمال، ثم محكمة جندوبة أقصى جنوب غربي البلاد، ثم محكمة القيروان في وسط البلاد في اليوم نفسه، وفقاً لما أكّده مدير حملته، عبد الستار المسعودي، الذي أكّد أن ما يمر به الزمال لم يشهده المحامون طيلة عقود.
على أن الملاحقات والقضايا المتعددة التي أثيرت ضد الزمال، تُوّجت بحكم صدر بسرعة غريبة، ويقضي بسجنه سنة وثمانية أشهر، ما يمنعه من خوض السباق الانتخابي. وفي هذا الإطار، يجزم محللون بأن الاحتفاظ باسم الزمال وصورته في ورقة الاقتراع الرسمية المعلن عنها من قبل «هيئة الانتخابات»، كان لغاية تشتيت الأصوات خوفاً من تركّز القاعدة الانتخابية المعارضة لسعيد لدى المغزاوي الذي يفترض أن تجتمع حوله جميع القوى المعارضة من مختلف الخلفيات السياسية، ممّن لم تقرر مقاطعة التصويت. وفيما أثار مقترح تنقيح القانون الانتخابي حفيظة الشارع التونسي، تظاهر، أمس، المئات من النشطاء والحقوقيين، تنديداً به، ومطالبة بالإفراج عن المعتقلين في قضايا الرأي والصحافة. ولعلّ ضعف المشاركة الشعبية في هذه التحركات، يكشف بدوره الإحباط السائد لدى التونسيين الذين فقدت فئات واسعة منهم أي اهتمام بالمشاركة السياسية.