اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٣ أيار ٢٠٢٥
في خطوة تهدف إلى تجاوز تداعيات سنوات الجفاف المتتالية وإعادة بناء القطيع الوطني المتضرر، أعلن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، عن إطلاق برنامج وطني استثنائي وشامل لدعم مربي الماشية، بكلفة إجمالية تناهز 3 ملايير درهم حتى نهاية 2025، مع تخصيص 3.2 ملايير درهم إضافية لدعم مباشر في 2026.
جاء هذا الإعلان ليترجم التوجيهات الملكية بضرورة ضمان نجاح عملية إعادة تكوين القطيع الوطني، مع مراعاة الاستدامة والنجاعة في ظل التأثيرات الكبيرة التي خلفتها التساقطات المطرية غير المنتظمة والجفاف على القطاع الفلاحي والمراعي.
وأكد الوزير أن هذا البرنامج يعكس العناية الخاصة التي يوليها الملك محمد السادس للعالم القروي ومربي الماشية، مشيرا إلى أن تنزيل مضامينه سيتم تحت إشراف لجان محلية تسهر عليها السلطات المعنية، ووفق معايير موضوعية سيتم تحديدها ضمن دورية مشتركة لضمان الشفافية والفعالية.
ويتضمن البرنامج خمسة محاور رئيسية لمعالجة التحديات الراهنة والمستقبلية. ويتعلق المحور الأول بإعادة جدولة ديون مربي الماشية، حيث يستهدف التخفيف من أعباء الديون المتراكمة على حوالي 50 ألف مربي بكلفة 700 مليون درهم.
وسيتم ذلك من خلال إلغاء جزء من أصل الدين والفوائد بنسب متفاوتة حسب قيمة الدين، وإعادة جدولة الديون الكبرى مع الإعفاء من فوائد التأخير، مع التركيز على صغار المربين الذين يشكلون النسبة الأكبر من المستفيدين من الإلغاء الجزئي للديون الصغرى.
أما المحور الثاني فيركز على دعم الأعلاف، ويخصص له 2.5 مليار درهم لتوفير الشعير والأعلاف المركبة للأغنام والماعز بأسعار مدعمة بكميات كبيرة، بهدف خفض تكلفة التغذية التي تمثل جزءا كبيرا من نفقات المربين.
ويهم المحور الثالث ترقيم إناث الماشية، ويهدف إلى الحفاظ على القطيع الوطني عبر منع ذبح الإناث، من خلال ترقيم أكثر من 8 ملايين رأس وتقديم دعم مباشر بقيمة 400 درهم عن كل رأس أنثى يتم الحفاظ عليها.
وأشار وزير الفلاحة إلى أن المحور الرابع يخصص 150 مليون درهم لحملة علاجية وقائية واسعة النطاق تستهدف تحصين وعلاج 17 مليون رأس من الأغنام والماعز ضد الأمراض المرتبطة بالجفاف، حماية للقطيع من المخاطر الصحية.
ويركز المحور الخامس والأخير، بحسب الوزير، على التأطير التقني وتحسين السلالات، حيث سيتم تخصيص 50 مليون درهم لتأطير مربي الماشية ودعم التلقيح الاصطناعي بهدف الرفع من الإنتاجية وتحسين جودة القطيع على المدى الطويل.
وأضاف البواري أن الدعم المباشر الكبير المبرمج لسنة 2026 سيشكل حافزا إضافيا للمربين الذين ينخرطون بجدية في الحفاظ على إناث الماشية وتثمينها، مما يضمن استدامة القطيع وتحقيق توازن بيئي واقتصادي في المجال القروي.
ويعد هذا البرنامج، بتركيزه على الديون والأعلاف والحفاظ على القطيع، استجابة للمطالب الملحة لمربي الماشية وللواقع الصعب الذي يواجهونه.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي محمد جدري، في تصريح لجريدة 'العمق'، إن برنامج دعم قطاع المواشي الذي أطلقته الحكومة يمثل خطوة إيجابية لمعالجة إشكاليات حقيقية يعاني منها الفلاحون، لكنه حذر في المقابل من تحديات تواجه تنزيله على أرض الواقع ومن خطر ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، خاصة مع اقتراب عيد الأضحى.
وأكد جدري أن البرنامج جاء ليجيب على مجموعة من الأمور التي كانت تشكل إشكاليات حقيقية للفلاحة المغربية، على رأسها مشكل الديون المتراكمة على الفلاحين، خصوصا بعد سنوات الجفاف المتتالية. واعتبر أن حل إشكالية الديون مسألة مهمة جدا، خاصة بالنسبة لصغار الفلاحين.
كما أشار إلى أهمية البرنامج في التصدي لغلاء أسعار الأعلاف، مثمنا الدعم المباشر الذي سيمكن الفلاح من شراء الشعير بسعر مدعم (درهم ونصف) والأعلاف المركبة (بدرهمين)، وهو ما وصفه بـ'الأمر المهم والمهم جدا'.
وبالإضافة إلى ذلك، نوه الخبير الاقتصادي بالبعد المتعلق بتشجيع الفلاحين على الحفاظ على الإناث من القطيع، من خلال منحهم 400 درهم على كل رأس يحافظون عليه لمدة سنة، معتبرا ذلك أمرا له أهمية كبيرة أيضا.
لكن جدري شدد على أن تنزيل هذا البرنامج على أرض الميدان 'يجب أن يكون فيه الكثير من الحزم'، مؤكدا أن الذين يجب أن يستفيدوا بالدرجة الأساسية هم صغار الفلاحين. وباتت الكرة، حسب جدري، عند الحكومة بالدرجة الأساسية لتنزيل هذا البرنامج بالطريقة المثلى وضمان وصول الدعم لمستحقيه.
وفي سياق آخر، تطرق جدري لمسألة شراء أضاحي العيد، حيث يرى أنه لن يؤثر بشكل كبير على حجم القطيع الإجمالي مقارنة بالسنوات السابقة، وذلك لكون الأسر باتت تكتفي بشراء كبش واحد أو كبشين في الغالب، على عكس ما كان سائدا سابقا من شراء أعداد أكبر، غير أنه حذر من أن التهافت على الشراء، بالإضافة إلى سوء فهم الهدف الحقيقي من هذا الدعم قد يؤدي إلى تضخم في أسعار اللحوم الحمراء.
وأوضح أن هذا التهافت وربما عدم الوعي الكافي بهدف البرنامج سيؤديان، في نهاية المطاف، إلى شراء اللحوم الحمراء قبل العيد وبعده بأسعار غالية جدا، وهو ما سيضر بشكل خاص بالأسر ذات الدخل المحدود والطبقة المتوسطة.
ودعا الخبير الاقتصادي إلى ضرورة أن تعمل وسائل الإعلام والسلطات العمومية على تحسيس المواطنين والمواطنات بأن الغرض من هذا البرنامج هو المحافظة على القطيع الحيواني.
وخلص جدري إلى أن البرنامج يضم 'عموما أمورا إيجابية'، لكن 'هناك مجموعة من النقط التي يجب أن يلتفت إليها'، في إشارة إلى ضرورة اليقظة والتدبير الجيد لتجنب سلبيات محتملة قد تعيق تحقيق الأهداف المرجوة منه.