اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٥ أب ٢٠٢٥
رغم تصاعد الخطاب الرسمي الداعي إلى دعم النساء وتمكينهن اقتصاديا، إلا أن الواقع يشي بعكس ذلك، فالمؤشرات المتوفرة تكشف عن حصيلة هزيلة لجهود وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في تفعيل هذا الورش، الذي يُفترض أن يكون من أولويات السياسات العمومية لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة.
وتُظهر الإحصائيات أن معدل النشاط الاقتصادي للنساء لا يتجاوز 20%، مقابل أكثر من 70% للرجال، وهي فجوة عميقة تترجم إلى إقصاء فعلي للنساء من الدينامية الاقتصادية الوطنية، فضلا أن الغالبية العظمى من النساء النشيطات اقتصاديًا يتمركزن في قطاعات غير مهيكلة، تفتقر لأبسط شروط الحماية الاجتماعية أو الاستقرار المهني.
ورغم إطلاق عدد من البرامج تحت إشراف وزارة التضامن، مثل 'جسر التمكين والريادة'، فإن النتائج ظلت دون التطلعات، حيث غابت الرؤية المتكاملة، ويرى عدد من الفاعلين المدنيين أن الوزارة فسلت في خلق التقاء فعلي بين المتدخلين، وهو ما انعكس على فعالية المشاريع، كما أن معظم هذه المبادرات بقيت في خانة 'التجريب'، دون تعميم حقيقي أو رصد لنتائجها الميدانية.
كلفة ضعف التمكين الاقتصادي
أكّدت المندوبية السامية للتخطيط أن 'النساء القرويات بالمغرب مازلن يواجهن مجموعة من العقبات، منها المتعلقة بالاستفادة من التعليم، إذ إن الفجوة الحاصلة في هذا الجانب تؤدي إلى عدم توفّرهن على المهارات اللازمة لإدراجهن ضمن سوق العمل، ما ينضاف إلى قيودٍ اجتماعية وثقافية أخرى لا تساعد على تمكينهن اقتصاديا'.
وأوضحت المندوبية، ضمن دراسة أعدّتها بتمويل من الاتحاد الأوروبي، أن 'محدودية المرأة القروية في المشاركة في الحياة الاقتصادية تساهم في إطالة أمد الفقر وعدم المساواة بالأوساط القروية، خصوصا مع شيوع ظاهرة العمل غير المؤدى عنه بالنسبة لهؤلاء النسوة'.
كما أشارت الدراسة إلى الكلفة المادية لضعف التمكين الاقتصادي للنساء بالمجالات القروية، إذ لفتت الانتباه إلى 'خسارة ما يصل إلى 2,2 في المائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2019 لهذا السبب'، منبّهة إلى 'وجود صور نمطية وأفكار مؤسسة على النوع الاجتماعي تقيّد وصول هذه الفئة إلى الموارد، بما فيها المدخلات الزراعية'.
ودعت المؤسسة نفسها إلى 'الاستثمار في تعليم النساء القرويات وخلق فرص عمل لائقة بهن ومستدامة كذلك، فضلا عن تحسين وصولهن إلى الخدمات الأساسية؛ ذلك أن تمكين هؤلاء النسوة اقتصاديا لا يحفز النمو الاقتصادي فقط، وإنما يساهم كذلك في الحد من الفوارق الكامنة بينهن وبين الرجال'، حيث أظهرت المعطيات الإحصائية أن 29,6 في المائة من النساء بالعالم القروي لا تتجاوز أعمارهن 14 سنة، في حين أن 61,5 في المائة منهن تتراوح أعمارهن بين 15 و64 سنة.
وأظهرت المعطيات الإحصائية نفسها، التي تهم سنة 2024، أن 9,5 في المائة من النساء القرويات يزيد عمرهن عن 65 سنة، وهي النسبة التي كانت لا تتجاوز سنة 1994 حوالي 7,5 في المائة؛ كما لفتت إلى أن متوسط سن الزواج لدى النساء بالعالم القروي وصل سنة 2024 إلى 23 سنة، مقارنة ب 25,6 سنوات في 2010، ثم 20,8 سنوات عام 1982؛ وهي الأرقام التي تظل منخفضة مقارنة بنظيرتها الخاصة بالنساء القاطنات بالحواضر.
وفي سياق متصل أشار المصدر عينه إلى أن نسبة النساء القرويات النّشطات من بين حوالي 4 ملايين امرأة (يتراوح عمرهن ما بين 15 و59 سنة) تصل إلى 18,4 في المائة، وذلك بموجب إحصائيات الفصل الأول من سنة 2024، وهو 'ما يعزى إلى التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تحد من انخراط النساء في الشغل مقارنة بالرجال'.
كما ذكرت الدراسة أن حوالي 70,5 في المائة من النساء القرويات النّشطات يقُمن بمهام غير مؤدّى عنها، فضلا عن كون 8 من أصل كل عشر نساء نشِطات يشتغلن بدون عقود عمل، فيما الوظائف التي يشغلنها 'رديئة'، كما أن ما يقارب مليونين من النسوة اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 15 و29 سنة يتم احتسابهن في خانة الـ'NEET'.
انتقادات برلمانية
تجد نعيمة ابن يحيى، وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نفسها محاصرة بانتقادات نائبات برلمانيات 'لتراجع' نسبة التمكين الاقتصادي للنساء المغربيات، و'تذيل' المغرب الترتيب الدولي على هذا المستوى، حيث صُنف من ناحية هذا التمكين في المرتبة الـ136 من أصل 146 دولة؛ غير أن المسؤول الحكومية ترجع السبب إلى 'التراجع بالعوامل الديمغرافية والأسرية'، مبرزة عمل الحكومة على رفع هذه النسبة إذ 'فاقت نسبة المستفيدات من بعض برامجها، 60 في المائة'، وفق تعبيرها.
وفي هذا الصدد، سجلت لطيفة أعبوث، النائبة عن الفريق الحركي، 'المغرب ما زال بعيدا عن التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء؛ إذ حسب الأرقام الرسمية انتقل التمكين الاقتصادي من 23,4 في المائة سنة 2010 إلى أقل من 18 في المائة'، مسجلة أن 'هذا التراجع يضيع على المغرب نقطة من الناتج الداخلي الخام، أي حوالي 13 مليار درهم سنويا'.
وأوضحت أعبوث أنه 'المغرب مُرتبة في المرتبة الـ136 من أصل 146 دولة في هذا الجانب؛ وهو ما يسائل وعد البرنامج الحكومي برفع التمكين الاقتصادي للنساء إلى 30 في المائة، خلال هذه الولاية، رغم أن المفروض أن نقفز بهذه النسبة إلى 36 في المائة'، مؤكدا أن 'البرامج الحكومية قاصرة، ومسؤولية هذه القصور تتحملها جميع القطاعات'، متسائلة في هذا الشأن “عن نتائج اللجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين، وعن موقع المرأة في الاقتصاد التضامني والاجتماعي.
تعثر الخطة الحكومية
اعتبرت النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، نعيمة الفتحاوي، أن تنزيل الخطة الحكومية الثالثة للمساواة 2023-2026، التي وضعتها الحكومة والهادفة إلى تمكين النساء والفتيات من خلال تعبئة الفاعلين على المستوى الوطني أو المستوى الترابي لدعم الأوراش في المجال الاجتماعي، لا زال متعثرا؛ خصوصا في مجال التمكين والريادة وتعزيز التمكين الاقتصادي للنساء، من خلال مشاركتهن في النمو السوسيو اقتصادي والتنمية المستدامة، مما يضمن حق المرأة ومشاركتها في الحياة العامة وفي اتخاذ القرار.
وذكرت الفتحاوي، في تصريح لجريدة 'العمق المغربي' أن 'الحكومة التزمت في البرنامج الحكومي 2021-2026، بالرفع من نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30% عوض 20% المسجلة حينها'، مبرزة أن 'الدينامية التي تشتغل بها الحكومة في هذا المجال يطبعها البطء؛ لذلك لا بد من العمل، وفق تعبيرها، على تقوية فرص عمل النساء وتطوير المقاولة ونشر ثقافة المقاولة لدى النساء ومواكبتهن في تسيير المشاريع والوصول وتسهيل الولوج إلى التمويل وتسهيل التسويق وفتح الاسواق أمامهن، ومواكبة تكوينهن على المستوى الترابي من أجل تحسين خبرتهن ومهاراتهن في مجال المقاولة وتقليص الفوارق المجالية، والاهتمام بالفتيات في وضعية صعبة أو المنحدرات من أوساط هشة وخاصة من القرى والجبال، وحاملات أفكار مشاريع أو مشاريع مدره للدخل.
وسجلت المتحدثة ذاتها، ما اعتبرته، 'فشل الحكومة، وهي تدخل سنتها الأخيرة، في تحقيق هدفها المعلن والالتزام بوفائها؛ فلا زالت هناك حاجة، وفق تعبيرها، إلى تقوية الفرص الاقتصادية وتوفير ضمانات لتيسير إقلاع ونجاح المقاولة النسائية ومواكبتها بولوج عالم الرقمنة وتملك وسائل التكنولوجيا الحديثة، والارتقاء بالوضعية الاقتصادية للمرأة بالعالم القروي، وهو ما سيساهم في تجويد فرص عمل النساء وولوجهن العمل اللائق مما ينتج مؤشرات ايجابية تستهدف المساواة وتمكين النساء من أجل بلوغ الهدف المنشود، وفق تعبيرها.
من جهته، أكد رئيس جمعية حقوق وعدالة المرأة مراد فوزي، أنه 'رغم الجهود المبذولة من قبل وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في السنوات الأخيرة ورغم خططها و برامجها، إلا أن النتائج على مستوى التمكين الاقتصادي للنساء لا تزال دون الطموحات عندما نرى أن معدل النشاط الاقتصادي للنساء، وفق تعبيره.
وأبرز أن هذا الأمر 'يعكس هشاشة المقاربة المتبعة من طرف الحكومة وغياب إجراءات هيكلية فعالة قادرة على تغيير واقع الإقصاء الاقتصادي للمرأة المغربية، خاصة في العالم القروي و الضواحي'، ذلك أن سياسات الوزارة غالباً ما تبقى، وفق تعبيره، محدودة في برامج ظرفية أو مقاربات غير ممكنة التفعيل، دون التوجه نحو إصلاحات عميقة تمس البنية الاقتصادية، وسوق الشغل، وشروط الولوج إلى التمويل، والتكوين المستمر، ومجالات ريادة الأعمال بالإضافة إلى السعي نحو تغيير النظرة الذكورية والصورة النمطية السائدة في المجتمع تجاه المرأة.
المساواة بين الجنسين
أكدت النائبة البرلمانية، نعيمة الفتحاوي، أن 'اللجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين، والمعروفة باسم لجنة 'إكرام'، تواجه بطءً في تحقيق أهدافها، على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة'، مشددة على وجود 'تحديات في الهيكل التنظيمي للجنة و في آليات عملها، مما يؤثر على كفاءتها وفعاليتها، وفق تعبيرها.
وسجلت الفتحاوي 'تأخيرا في تنفيذ الخطة الحكومية للمساواة بين الجنسين، وهذا يؤثر، بالطبع، على حد قولها، على سير عمل اللجنة ونتائجها وهناك ضعف في مشاركة بعض القطاعات الحكومية والجماعات الترابية ومنظمات المجتمع المدني في عمل اللجنة، إضافة إلى النقص في الموارد المالية والبشرية اللازمة لدعم عمل اللجنة، إضافة إلى وجود ثغرات في التشريعات وقوانين العمل التي لا تضمن المساواة بين الجنسين بشكل كامل، وفق تعبيرها.
وشددت على ضرورة توفير الموارد المالية والبشرية اللازمة وتسريع العمل على المزيد من التشريع لدعم عمل اللجنة وتمكينها من تحقيق أهدافها وكذا تعزيز التعاون بين مختلف القطاعات الحكومية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والجهات المعنية الأخرى وتفعيل دورها.
من جهته، اعتبر مراد فوزي، فيما يخص اللجنة الوطنية للمساواة بين الجنسين وتمكين النساء، فإن بطء ديناميتها يطرح تساؤلات جدية حول مدى الالتزام السياسي الفعلي بإعمال المساواة كأولوية وطنية رغم استحضار الإرادة السياسية، وفق تعبيره.
وأشار إلى أن 'تأخر اللجنة، الذي كان من المفروض أن تكون محركاً لانتقائية السياسات العمومية وضمان حكامة أفضل في مجال النهوض بحقوق النساء في تفعيل المساواة خاصة على مستوى المشاركة الاقتصادية، أثر سلباً على التنسيق المؤسساتي وساهم في تأجيل الإصلاحات المنتظرة'.
إخلال بالوعود الحكومية
رغم تعهد الحكومة في برنامجها سنة 2021 بالرفع من نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30 في المائة عوض 20 المائة حاليا من خلال برنامج جسر التمكين والريادة عبر شراكات مع مجالس الجهات والولايات والعمالات ، إلا أن وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عجزت عن بلوغ هذا الرقم، حيث أثبتت الإحصائيات الرسمية أن هذه النسبة لم تشهد تحسنا.
وحسب برنامج عمل وزارة التضامن والادماج الاجتماعي والأسرة فإن هذا البرنامج يعد لبنة أساسية للاستراتيجية الجديدة، حيث يهدف تقوية فرص عمل النساء وتطوير المقاولة وثقافة المقاولة لدى النساء من خلال مواكبتهن في تسيير المشاريع والوصول إلى السوق والتمويل ومواكبة النساء وتكوينهن على المستوى الترابي من أجل تحسين خبرتهن ومهاراتهن في مجال المقاولة.
كما يروم البرنامج تقليص الفوارق المجالية ويستهدف البرنامج النساء والفتيات في وضعية صعبة أو المنحدرات من أوساط هشة، وحاملات أفكار مشاريع أو مشاريع مدره للدخل، ويتوجه هذا البرنامج الى الأشخاص الذاتيين أو المقاولين الذاتيين أو المنضوين تحت إطار مقاولة مقاولات جماعية نسائية.
وأكد نعيمة فتحاوي أن 'التمكين الاقتصادي للمرأة المغربية يعد بمثابة صمام أمان للأسرة والمجتمع، حتى تقوم المرأة بجميع أدوارها المجتمعية، بما فيها أدوار الرعاية والتنشئة والاحتضان'، مبرزة أن 'المغرب عمل على تعزيز التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة من خلال برامج حكومية متعددة وضعتها الحكومة السابقة، تهدف إلى تحسين فرص النساء في سوق العمل ودعم ريادة الأعمال النسائية وتقليص الفجوة بين الجنسين في مختلف المجالات.
ومن بين هذه البرامج، حسب الفتحاوي، نجد برنامج 'إكرام' الذي يهدف إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا، بالإضافة إلى برنامج 'جسر للتمكين والريادة' الذي يساعد النساء على تطوير مهاراتهن المهنية والمقاولاتية وكذا البرنامج الوطني المندمج للتمكين الاقتصادي للنساء الهادف الى تعزيز فرص الولوج المتساوي للعمل اللائق، وفرص الولوج والارتقاء المهني، من خلال التربية والتكوين وتأهيل البيئة الملائمة الآمنة والمستدامة للتمكين الاقتصادي للنساء.
وأشارت إلى 'الدينامية متعددة الأبعاد التي دشنها المغرب منذ سنوات، من خلال إصدار مدونة الأسرة، وإصلاح القانون الجنائي لحماية النساء ضحايا العنف، والتمكين المؤسساتي لحضور النساء في مختلف مستويات المسؤولية بالمؤسسات الدستورية، التنفيذية منها أو التشريعية أو القضائية وغيرها من مؤسسات الحكامة، وأيضا على مستوى الجماعات الترابية'.