اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٠ تموز ٢٠٢٥
في قلب الجنوب الشرقي للمغرب، وتحديدا على بعد 15 كيلومترا شرق مدينة تينجداد بإقليم الرشيدية، تقف قصبة تاغيا شاهدة على تاريخ منسي، تتآكله عوامل الزمن، وتطوقه لامبالاة الإنسان.
كانت القصبة ذات يوم مركزا نابضا بالحياة، تؤوي العائلات وتحميها من تقلبات الزمن والمستعمر، وتحتضن طفولة أبناء القبيلة وضحكاتهم التي كانت تملأ الساحات. أما اليوم، فقد تحولت إلى أطلال مهجورة، وجدران متداعية تروي حكاية مجد مهدد بالاندثار.
صدى باهت للماضي
'كنا نلعب هنا صغارا، والقصبة كانت عامرة بالناس'، يقول إبراهيم، أحد أبناء القرية، وهو يشير إلى بوابة شبه مهدمة. أما اليوم، فلا يمر من هنا سوى الرياح، تنقل غبار النسيان إلى ما تبقى من ذاكرة المكان.
القصبة، التي كانت رمزا للمقاومة ومأوى للأهالي، أصبحت اليوم بلا سقوف، بلا أبراج، بلا حياة. وتحت كل حجر فيها تختبئ ذكرى، ومع كل شتاء، يسقط جزء آخر منها، كما لو أن الزمن قرر محوها نهائيا.
إرث مهدد.. ومسؤولية غائبة
إسماعيل دروك، رئيس جمعية أفلا للتنمية القروية والبيئة، أكد أن القصبة تضررت بشدة إثر فيضانات سنة 1967، ما أدى إلى هجرة جماعية للساكنة، وبناء منازل عشوائية خارجها بمواد تقليدية.
وأضاف أن تاغيا، كسائر القصبات التاريخية، تختزل إرثا حضاريا ومعماريا فريدا، لكنها مهددة اليوم بعوامل مناخية وسلوكات بشرية، خاصة من قبل الأطفال الذين يتخذونها فضاء للعب، وسط غياب أي بنية ترفيهية في القرية.
وانتقد دروك غياب أي مشروع ترميم حقيقي من قبل السلطات، على غرار ما استفادت منه قصبات ومآثر تاريخية في مناطق مجاورة، داعيا إلى تحرك عاجل لحماية هذا التراث من الزوال النهائي.
أصوات من الأطلال
محمد، أحد شيوخ القرية، لم يُخف حزنه على حال القصبة، واعتبر أن ما تتعرض له 'ليس فقط تهميشا لبناء طيني'، بل هو تهميش لذاكرة أجيال، ومحو لجزء من تاريخ المقاومة والعيش المشترك في الجنوب الشرقي.
يقول بأسى: 'قصبات في مناطق مجاورة تعود إليها الحياة، ونحن نرى قصبتنا تنهار قطعة قطعة… كأن الزمن يعاندنا'.
هل من تدخل قبل فوات الأوان؟
وختم رئيس الجمعية بدعوة صريحة للمسؤولين والجهات المختصة للتدخل العاجل من أجل حماية قصبة تاغيا، باعتبارها معلمة تاريخية تجسد نمط العمارة التقليدية بالجنوب الشرقي، وتعكس بعدا ثقافيا وهوياتيا يتعين الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
وسجل المتحدث ذاته، أن قصبة تاغيا اليوم لا تطلب سوى الاعتراف، والحد الأدنى من الالتفات، كي لا تموت ذاكرتها كما ماتت جدرانها، مطالبا باستدارك الأمر قبل أن تسقط آخر قطعة من الطين وتحمل معها ما تبقى من الحكاية؟
قصبة تاغيا ليست فقط جدرانا من الطين، بل ذاكرة معمارية وروحية تعود إلى قرون، ومثال عن العمارة التقليدية المنسجمة مع محيطها البيئي والثقافي. وما تحتاجه اليوم ليس سوى الاعتراف بقيمتها، ووضعها ضمن الأولويات التراثية والتنموية.
فهل تستيقظ الجهات المعنية قبل أن تسقط آخر حجرة من ذاكرة الجنوب؟