اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
في صيف كل سنة، تعود المعاناة ذاتها لتلاميذ جهة درعة تافيلالت، أولئك الذين اجتهدوا طيلة موسم دراسي شاق، وانتزعوا شهادة الباكالوريا بعرق الجبين، ليجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة 'ماراثون' مرهق من التنقلات الطويلة والمتتابعة عبر مدن متفرقة لاجتياز مباريات ولوج المعاهد والمدارس العليا.
ما يحدث ليس مجرد خلل تقني أو تهاون إداري، بل هو صورة صارخة لانعدام العدالة المجالية، واختلال مبدأ تكافؤ الفرص الذي من المفترض أنه حجر الزاوية في المنظومة التربوية الوطنية.
تخيلوا تلميذا من زاكورة تنغير أو الراشيدية ، يبدأ رحلته من كلية الطب بالراشيدية، ليتوجه في اليوم الموالي إلى الرباط، ثم إلى أكادير، فمراكش، ومكناس أو الدار البيضاء. خمسة مدن في أقل من أسبوع، في عز الصيف، ووسط لهيب الحرارة، وبميزانية لا يمكن إلا أن تكون كابوسا لأسرة متوسطة الدخل، فما بالك بالمعوزة.
أليس من العبث أن نحمل أبناء جهة بأكملها كل هذه المشقة من أجل حقهم في الولوج إلى مؤسسات الدولة؟ كيف يمكن أن نقنع تلميذا متفوقا أن الدولة حريصة على مستقبله، بينما تتركه يطارد المواعيد بين المدن، وكأننا نختبر قدرته على التحمل لا كفاءته العلمية؟
هذه البرمجة العبثية ليست سوى وجه من أوجه أزمة عميقة في التخطيط التربوي. فبدل أن يكون لدينا تصور وطني موحد، نجد أنفسنا كل سنة أمام نفس الفوضى. لا تنسيق، لا مراعاة للخصوصيات الجغرافية، لا مراكز جهوية، ولا آليات رقمية حقيقية تُمكّن من تخفيف هذا العبء.
أليس من المفارقات المؤلمة أن نتحدث عن الجهوية المتقدمة، وعن رقمنة الإدارة، بينما لا نزال نُجبر أبناء المناطق البعيدة على شد الرحال وكأنهم يعيشون في مغرب آخر؟ مغرب غير نافع، مغرب في الهامش.
إن ما تحتاجه هذه البلاد اليوم هو شجاعة سياسية وتربوية لإعادة النظر جذريا في طريقة تنظيم مباريات الولوج. نحتاج إلى امتحانات موحدة وطنية حسب التخصص، أو إلى مراكز جهوية دائمة، أو إلى منصات رقمية متقدمة، نحتاج إلى إرادة حقيقية تترجم شعارات الدولة إلى واقع ملموس.
فإلى متى سنستمر في إنتاج نفس المآسي كل سنة؟ إلى متى سيظل أبناء درعة تافيلالت وغيرهم مطالبين بخوض امتحان في الصبر والإنهاك قبل أن يُتاح لهم مجرد حق التنافس على مقعد جامعي؟
أما بعد، فالمعاناة مستمرة… ما لم يُسمع الصوت.