اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٣ نيسان ٢٠٢٥
دعا رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عبد القادر اعمارة، إلى العمل، بشكل استعجالي، على تدارك النقص الحاد في عدد القضاة مقارنة مع العدد الكبير للقضايا المعروضة.
وأوصى اعمارة بتكوين القضاة في استخدام التكنولوجيات الذكية، خاصة الذكاء الاصطناعي، في البحث في النصوص القانونية وقواعد الاجتهاد القضائي، وفي المساعدة في اتخاذ القرار وصياغة الأحكام والتقارير، بما يسهم في تعزيز الكفاءة وتحسين أداء منظومة العدالة.
جاء ذلك خلال تقديمه مخرجات رأي المجلس حول مشروع القانون رقم 03.23 بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، اليوم الثلاثاء، أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب.
وقدم اعمارة عدة توصيات يتعين مراعاتها، سواء عند وضع هذا الورش التشريعي، أو عند تطبيقه وإعماله، بما سيكون له من آثار على الأمن القانوني والقضائي، وحكامة المرفق القضائي، والتطور التنموي للمملكة، حسب قوله.
ومن بين تلك التوصيات، ضمان التطبيق الصارم والممنهج لمبدأ قرينة البراءة، مع الحرص على احترام حقوق المواطنات والمواطنين وصون كرامتهم في مختلف مراحل المسار القضائي.
ودعا المسؤول ذاته إلى تقوية مقاربة النوع الاجتماعي من خلال سن بروتوكولات مسطرية خاصة بالبحث والتحقيق في الجرائم الماسة بالمرأة بسبب جنسها، بما في ذلك الاغتصاب والتحرش والعنف بمختلف أشكاله.
وشدد على ضرورة تحقيق انسجام أمثل للمقتضيات الخاصة بالأحداث (الأطفال) في قانون المسطرة الجنائية مع أحكام الدستور والتزامات المملكة الدولية في مجال حماية حقوق الطفل، وتعزيز دور الأسرة والمؤسسات التربوية والمساعدة الإجتماعية في المواكبة الإجتماعية والنفسية، وكذا توفير وتهيئة أماكن إيواء كافية للأحداث الجانحين ومراكز متخصصة في التربية وإعادة الإدماج.
كما طالب بتسريع التحول الرقمي لمنظومة العدالة من خلال دمج الرقمنة في جميع البنى التحتية والإجراءات، بما في ذلك في المجال الجنائي، وتيسير التبادل الرقمي للوثائق، وذلك من أجل إضفاء المزيد من الشفافية والتبسيط على المرفق القضائي؛
وفي هذا الصدد، أوصحى المجلس باللجوء إلى السجل الاجتماعي الموحد لتحديد أهلية الاستفادة من المساعدة القضائية في القضايا الجنائية للأشخاص ذوي الموارد المحدودة.
وأوصى، كذلك، بتعزيز الدور الموكول للقضاء في ردع الجرائم البيئية، أولا، بإلزام مختلف القطاعات المتدخلة في البيئة بتبليغ النيابة العامة عند حدوث الجرائم الماسة بالبيئة، وثانيا بوضع مساطر وإجراءات تراعي خصوصية الجرائم البيئية، وتضمن الانسجام بين النصوص التشريعية المختلفة في هذا المجال.
ودافع عبد القادر أعمارة، عن حق الأفراد وهيئات المجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام، مع إحاطة هذا الحق بما يلزم من تدابير لتحصينه من الاستعمالات غير المسؤولة، وفق تعبيره.
واعتبر أن تمسكه بالإبقاء عن حق الأفراد وهيئات المجتمع المدني في التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام، يأتي تكريسا لانخراط المغرب دوليا في محاربة الفساد، وتعزيزا لدور المجتمع المدني، وحماية للمال العام من كل تبديد أو اختلاس.
وأشار إلى ضرورة العمل على فعلية الآليات التي تُمكّن الأشخاص الذاتيين والمعنويين من تقديم التبليغات والشكايات بخصوص المخالفات الإدارية والمالية، وذلك على غرار الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي تضطلع بمهام التحقيق والتحري، وإحالة الملفات إلى النيابة العامة عند الاقتضاء.
ملاحظات المجلس
وسجل المجلس عددا من الملاحظات والاقتراحات، بعد إنصاته إلى فعاليات الجسم القضائي والجمعوي، ضمنها جدوائية وضع قانون جديد للمسطرة الجنائية، جملة وتفصيلا، بما أن المشروع أدخل تعديلات تشمل حوالي 56 % من القانون الحالي، وذلك توخيا للانسجام الداخلي بين مختلف الإجراءات والمساطر القديمة والجديدة، وأن تكون لها نفس الروح والفلسفة الإصلاحية.
واعتبر في هذا الإطار أن مراجعة قانون المسطرة الجنائية يجب أن تكون في تساوق مع مراجعة مجموعة القانون الجنائي، وفي إطار الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة، وذلك وفق برمجة وآجال محددة، مع رصد الاعتمادات المالية والإمكانيات والموارد الضرورية لتنزيله.
شدد على الحاجة الموضوعية إلى إسناد تشريعات السياسة الجنائية بدراسات الأثر الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمالي، والتقييم القبلي، وإشراك الفاعلين وعموم المواطنات والمواطنين، وذلك من أجل تنوير الخيارات المتخذة، واستباق الانعكاسات المتوقعة، وضمان المقبولية المواطنة للتغييرات المقترحة؛
وأشار إلى أهمية وضع السياسة الجنائية بحصر المعنى ضمن مقاربة أشمل تضم السياسات العمومية التي من شأنها معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية للجريمة وتجفيف منابع الانحراف والجنوح.
ويرى المجلس بضرورة إصلاح المنظومة التعليمية بما يعزز قيم المواطنة والانضباط، ويهيئ الأفراد للاندماج الإيجابي في المجتمع، مع تطوير السياسات الاقتصادية بما يشجع على الاستثمار وخلق فرص الشغل، والارتقاء بالسياسات الاجتماعية الخاصة بتعزيز محاربة الفقر والهشاشة، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية.
بالمقابل، اعتبر المجلس أن مشروع القانون رقم 03.23 يشكل خطوة نوعية في اتجاه تجسيد الالتزامات الدستورية للمملكة، وتعزيز ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع المعايير الدولية المرتبطة بشروط المحاكمة العادلة.
ولفت إلى أن المشروع أتى بمقتضيات جديدة (إما تغييرا أو تتميما أو نسخا وتعويضا)، ستسهم في تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وتبسيط المساطر وترشيد الإجراءات، وتعزيز المراقبة القضائية على عمل الشرطة القضائية، وتعزيز حكامة جهاز النيابة العامة، وعقلنة الوضع تحت الحراسة النظرية، وترشيد الاعتقال الاحتياطي، وتقوية وسائل مكافحة الجريمة، وتقوية حقوق الدفاع، وتعزيز آليات التعاون القضائي الدولي، وإضفاء بعد إنساني واجتماعي في التنفيذ الزجري، وغيرها من المعايير التي تسهم في تحقيق العدالة.
وكشف اعمارة أن مجلسه استند في إعداد هذا الرأي، إلى التوجيهات الملكية الواردة في خطاب 20 غشت 2009، حيث شدد الملك على ضرورة القطع مع المقاربات الأحادية والجزئية في إصلاح العدالة، وعلى أهمية اعتماد مقاربة تشاورية واستشارية وإدماجية في بلورة خطة إصلاح شاملة، وفي مقدمتها نجد تحديث المنظومة القانونية وذلك باعتبارها مدخلا أساسيا وحاسما لتحقيق الإصلاح المنشود.
كما اعتمد المجلس في تناول مضامين مشروع القانون موضوع الإحالة، على منهجية مندمجة تستحضر الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والحكامتية لإجراءات السياسة الجنائية، مع الارتكاز على مبادئ الدستور ذات الصلة، والمكتسبات التشريعية الوطنية، والالتزامات الدولية للمملكة، وكذا الدروس المستخلصة من التجارب المقارنة.
وبحسب المتحدث، فقد اعتمد المجلس، أيضا، على المقاربة التشاركية التي تقوم على نقاش موسّع بين مختلف مكونات التركيبة التعددية للمجلس، والإنصات إلى مختلف الفاعلين المعنيين، سواء من خلال اللقاءات التي تم تنظيمها من قبل المجلس، أو من خلال الوثائق والمساهمات والإفادات التي تم الاطلاع عليها بمناسبة إعداد رأي المجلس بشأن مشروع القانون.