اخبار المغرب
موقع كل يوم -الأيام ٢٤
نشر بتاريخ: ٧ حزيران ٢٠٢٥
عيد الأضحى هذا العام حلّ على المغرب بثياب غير مألوفة.. غابت الخرفان، فغابت معها طقوس، واندثرت مهن، وانكمش اقتصاد صغير كان يمنح آلاف الشباب فسحة تنفس مؤقتة في بلد يضيق على شبابه كل يوم أكثر.
قرار عدم ذبح الأضاحي، كما استقبلته الأسر المغربية، لم يكن خفيفاً على القلوب، لكنه قُوبل بالتفهم والقبول، لأنه صدر من فوق، من المؤسسة الملكية، تحت بند المسؤولية الجماعية، من أجل حماية القطيع الوطني من نكسة الجفاف.
قرار وطني في ظاهره، تضامني في مضمونه، لكنه كان له وجه آخر لم يُرسم في البلاغات الرسمية: وجه شباب بلا عيد، بلا عمل، وبلا مدخول.
في السنوات الماضية، كانت أيام ما قبل العيد تمثل فرصة العمر للآلاف من الشباب في المدن والأرياف. كانت الأحياء تتحول إلى أسواق مفتوحة.. صخب وضجيج وشباب يقتنصون فرصة قصيرة، لكنها ثمينة.
بعضهم يبيع الفحم، وبعضهم يشحذ السكاكين، وآخرون ينقلون الأضاحي على عربات مجرورة أو يشوون الرؤوس في الأزقة، أو يُنصّبون أنفسهم 'جزّارين مؤقتين' يجوبون الحارات.
لكن هذا العام، وكما عاينته 'الأيام24' في جولة لها بأحياء الدار البيضاء، كان المشهد مختلفا تماما: صمت ثقيل، شوارع باردة، وأحياء فقدت لونها الموسمي.. لا أسواق، لا تلال من التبن، لا رائحة الشواء، ولا أصوات الصخب المعتادة. فقط مدينة تنتظر عيدا لا يأتي…
المفارقة المحزنة أن القرار الذي جاء لحماية القطيع، أطاح بدورة اقتصادية موسمية تقدّر، حسب بعض الأرقام غير الرسمية، بما بين 3 و4 مليارات درهم سنويا، كانت تدرها مهن العيد الصغيرة.
صحيح أنها تنتمي للاقتصاد غير المهيكل، لكنها اقتصاد في نهاية المطاف.. اقتصاد الأسر المعوزة، والطلبة، والعمال الموسميين، وكل أولئك الذين لا يملكون بابا للرزق سوى 'الموسم'.
اليوم، لا موسم ولا عائد اقتصادي.. فقط شباب ينتظر نهاية العيد ليعود إلى مقهى الحي، وإلى صف الانتظار الطويل بحثا عن وظيفة قد لا تأتي…
العيد هذه السنة، لأول مرة منذ عقود، بلا خروف.. وبلا لحمة.. وبلا شواء على الرصيف.. وبلا حركة في الأحياء الشعبية. لكنه أيضاً عيد بلا مهنة، وبلا أمل، وبلا درهم واحد يسقط من سماء موسم مؤقت.
عيد الأضحى في المغرب هذا العام هو بمثابة تمرين جماعي على الصبر والانضباط والتقبل، لكنه أيضا اختبار للعدالة الاجتماعية: هل يملك الفقراء ترف الامتثال للتضحيات الوطنية بنفس هدوء الأغنياء؟ وهل يكفي خطاب الواجب الوطني لتبرير فقدان لقمة عيش على الهامش؟ أم أن التضامن يحتاج إلى أكثر من خطاب.. يحتاج إلى تعويض، وإلى بدائل، وإلى من يشعر بالشباب وهم يسقطون من هامش العيد إلى قاع الإحباط؟