اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٤ نيسان ٢٠٢٥
أصدر المؤرخ الفرنسي، برنار لوغان، كتابا جديدا بعنوان 'تاريخ الجزائر: من البدايات إلى اليوم' (Histoire des Algéries, des origines à nos jours)، يقدم فيه قراءة شاملة لتاريخ الجزائر، مؤكدا أنها لم تكن موجودة ككيان موحد قبل الغزو الفرنسي سنة 1830، وأن باريس قامت بـ'صنعها قطعة قطعة' عبر اقتطاع أراض من دول الجوار، من بينها المغرب، تونس، ليبيا ومالي.
وفي مؤلفه الصادر حديثا، اعتبر لوغان أن ما يُعرف اليوم بالجزائر كان عالما متعدد المكونات، حالت تنوعاته دون تشكُّل وحدة وطنية حقيقية على مر القرون. ويشرح أن هذا التنوع تفاقم بسبب الموقع الجغرافي 'الوسيط' للمنطقة، حيث بقيت الأقاليم الجزائرية موزعة التأثير بين قوتين إقليميتين؛ المغرب في الغرب، وتونس في الشرق، ما أدى إلى تقليص فترات الاستقلال الفعلي لمراكز مثل تلمسان وبجاية.
وتتبع لوغان من خلال مؤلفه المسار التاريخي لما وصفه بـ 'الجزائريات المتعددة'، مبرزا أن الجزائر، من حيث الجغرافيا والتاريخ والإثنية واللغة، هي فضاء شديد التنوع، تأثر تدريجيا بالحضارات القرطاجية والرومانية والوندالية والبيزنطية، قبل أن تشهد تحولا كبيرا مع الفتح الإسلامي ثم 'الاستعمار العثماني'، غير أن التوحيد الفعلي لهذا الفضاء، بحسب لوغان، لم يتم إلا على يد فرنسا، التي رسمت للجزائر حدودها النهائية، وفرضت عليها وحدة سياسية لم تكن موجودة سابقا.
وشدد المؤرخ الفرنسي، على التاريخ الرسمي الجزائري المكتوب منذ استقلال 1962 يتجاهل حقائق أن فرنسا هي من قامت بتوحيد التنوعات الجزائرية ومنحتها حدودها. في الغرب، تم ذلك عبر اقتطاع أجزاء من المغرب، وفي الجنوب بضم الصحراء الوسطى إليها، معتبرا أن التاريخ الجزائري المكتوب بعد الإستقلال يعيد تشكيل الماضي وفق رؤية أيديولوجية ترتكز على ثلاثة افتراضات رئيسية.
وأبرز أن أول مرتكز يتبناه الخطاب الرسمي الجزائري هو أن العروبة هي المكون الأساسي للجزائر، بينما يتم تهميش العنصر الأمازيغي إلى مرتبة ثانوية، مما يقطع جذور الهوية الجزائرية عن أصولها، بينما يشير المرتكز الثاتي إلى وجود 'أمة جزائرية' كانت قائمة قبل الاستعمار الفرنسي، وهو افتراض لا يصمد أمام النقد العلمي.
المرتكز الثالث، كما يقول برنار لوغان، فهو تصوير تصوير الكفاح التحرري ضد المستعمر كحركة شعبية موحدة، في حين أن الحقائق تظهر أنه بين 1954 و1962، كان عدد الجزائريين الذين خدموا في الجيش الفرنسي ثلاثة أضعاف عدد مقاتلي الاستقلال.
وخلص المؤرخ الفرنسي إلى دعوة لإعادة كتابة التاريخ الجزائري بشكل علمي بعيدا عن الإيديولوجيا، مستشهدا بقول المؤرخ الجزائري محمد حربي: 'الجزائر عالقة بين الجحيم والفردوس'، داعيا إلى كتابة تاريخ يعكس التعددية المعقدة التي شكلت هذا الكيان منذ أن أطلقت عليه فرنسا سنة 1839 اسم 'الجزائر'.
يُذكر أن برنار لوغان هو أستاذ سابق في مدرسة سان سير العسكرية، وخبير سابق لدى المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، وله مؤلفات عديدة عن تاريخ شمال إفريقيا، من أبرزها 'تاريخ المغرب'، 'تاريخ ليبيا'، و'تاريخ الأمازيغ'، كما يدير المجلة الإلكترونية 'إفريقيا الحقيقية'.