اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٢٩ حزيران ٢٠٢٥
لا تزال قضية الراعي محمد بويسليخن تحشد المزيد من التآزر والدعم، وذلك بعد مرور أزيد من أسبوع على واقعة العثور عليه جثة هامدة في ظروف غامضة بدوار أيت زعرور، جماعة أغبالو التابعة لدائرة بومية بإقليم ميدلت.
الطفل، الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، توفي في منطقة جبلية معزولة، حيث كان يشتغل راعيا للأغنام في ظروف قاسية، وهو ما أثار صدمة واسعة وسط المجتمع، خصوصا في ظل غياب التوضيحات الرسمية من الجهات القضائية.
الحادث الذي هزّ الرأي العام المحلي والوطني، دفع هيئات حقوقية بارزة إلى إصدار بيانات قوية تطالب فيها بفتح تحقيق قضائي عاجل ونزيه، والكشف عن الحقيقة، مع التأكيد على أن فرضية “الانتحار” غير مقنعة، وتخفي وراءها شبهات خطيرة.
وفي بيان مؤثر، عبّر المركز المغربي لحقوق الإنسان عن بالغ حزنه واستنكاره للحادث، واصفا وفاة الطفل محمد بأنها “حادثة مؤلمة تهز الضمير الإنساني والوطني”، مشيرا إلى أن “جثته عثر عليها معلقة في ظروف غامضة تستدعي فتح تحقيق فوري وشفاف”.
وأكد المركز في البيان الذي حصلت جريدة “العمق المغربي” بنسخة منه، أن “الطفل محمد كان يشتغل راعيا في ظروف قاهرة، تعكس واقع التهميش والفقر الذي تعاني منه شريحة واسعة من المواطنين، خصوصا في المناطق الجبلية المعزولة، حيث تغيب فرص التعليم وتنتشر ظواهر الاستغلال الاقتصادي للأطفال”.
وأشار البيان إلى أن “والدة الطفل استبعدت في تصريح مصوَّر فرضية الانتحار، ما يعزز الشكوك حول وجود جريمة محتملة، وهو ما يستدعي، تحركا قضائيا صارما”، على حد تعبيره.
كما استند المركز في بيانه إلى “المرجعيات القانونية الوطنية والدولية”، مؤكداً أن “الحادث يعد خرقا صريحا للدستور المغربي، واتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب سنة 1993، بالإضافة إلى اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 138 و182 بشأن الحد الأدنى لسن العمل وأسوأ أشكال تشغيل الأطفال”.
وطالب التنظيم الحقوقي بـ“فتح تحقيق قضائي عاجل ومحايد لتحديد ملابسات الوفاة، مع استنكاره لاستمرار ظاهرة تشغيل الأطفال في ظروف غير قانونية، داعيا الحكومة المغربية إلى تحمل مسؤولياتها في حماية الطفولة، مع تذكيرها بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الطفل”.
بدوره، أصدر فرع بومية للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بيانا شديد اللهجة عقب اجتماع استثنائي بتاريخ 28 يونيو الجاري، خصص لمتابعة الملف، أكد فيه أن “وفاة الطفل وقعت في ظروف غامضة دون أن تصدر أي معطيات رسمية من النيابة العامة بعد مرور أسبوعين من الحادث، وهو ما تسبب في تضارب الروايات وانتشار الإشاعات”.
وأشار الفرع المذكور في بيان إستنكاري، توصلت “العمق المغربي” بنسخة منه، إلى أن “عناصره الميدانية خلصت إلى أن فرضية الانتحار غير مقنعة”، واعتبر أن “الترويج لها محاولة لطمس الحقيقة”، متهما بعض وسائل الإعلام بـ“البهرجة الإعلامية المشبوهة والاسترزاق بمآسي المهمشين”.
كما وصف البيان الواقعة بأنها “اغتيال ممنهج للطفولة عبر تكريس الفقر، والتهميش، والأمية، وحرمان الأطفال من التعليم والصحة وضرورات العيش الكريم”، معلنا في الوقت ذاته عن “ تضامنه غير المشروط مع عائلة الطفل محمد”.
إلى ذلك، طالبت الهيئة الحقوقية ذاتها، بـ“فتح تحقيق نزيه وتنوير الرأي العام بنتائج البحث، مع إدانة أساليب التضليل الإعلامي وتشويه الحقائق، واعتبار الحادث نتيجة مباشرة للسياسات الاجتماعية الفاشلة”، مؤكدة على “إلتزام الفرع بمتابعة القضية واتخاذ كل الخطوات النضالية اللازمة لكشف الحقيقة”.
وكان راعي غنم يبلغ من العمر 15 سنة، قد وُجد، الإثنين 16 يونيو الجاري، مشنوقا قرب مجرى مائي (قادوس) بمنطقة أيت زعرور بقيادة أغبالو اسردان التابعة لعمالة ميدلت، وفق ما كشفت عنه مصادر محلية.
ووفقا للمصادر ذاتها، فإن الهالك المسمى قيد حياته (ب.م) المزداد سنة 2010، يشتغل والده رباعا لدى أحد الاشخاص بأغبالو اسردان، مشيرة إلى أنه جرى العثور عليه مشنوقا قرب قادوس ماء، وذلك بعد رجوع قطيع الماشية وحدها إلى منزل المشغّل، ما دفع بأفراد من أسرته إلى البحث عنه فوجدوه جثة هامدة معلقة بحبل.
وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي منشورا يدين ما وصفوه بـ“الصمت غير المبرر”، حيث جاء في أحد النصوص المتداولة: “من قتل راعي الغنم القاصر في جماعة أغبالو اسردان بإقليم ميدلت؟ ومن يتستر على الجريمة؟ لا تزال فاجعة مقتل القاصر، راعي الغنم، تلفها الكثير من علامات الاستفهام، وسط صمت غير مبرر ومحاولات واضحة لطمس معالم الحقيقة”.
وأشار المنشور إلى أن “التحقيق الأولي استبعد فرضية الانتحار، وهو ما يعزز فرضية القتل العمد”، مؤكدا أن“الجاني معروف، بل إن أدوات الجريمة، وهي حبل وأعواد قيل إنها تعود لشخص معروف سبق أن ورد اسمه في تهديدات ووقائع سابقة”.
وتساءلت المصادر ذاتها عما إذا كانت مكانة الضحية الاجتماعية كراعٍ للغنم قد ساهمت في “محاولة تزييف التقارير وتضليل العدالة”، لافتة إلى أن هناك “حديثا متداولا بين سكان المنطقة عن مبالغ مالية ضخمة يعتقد أنها دفعت للتكتم على الواقعة، تفوق عشرة ملايين سنتيم، في محاولة لإسكات صوت الحقيقة”.
وتابعت الفعاليات في ندائها: “لكن الحقيقة لا تدفن، ودم هذا الطفل في أعناق كل من صمت أو ساهم أو تقاعس. والدته، التي تبكي دما قبل الدموع، ما زالت تنتظر إنصافا وعدلا من دولة الحق والقانون”.
ودعت هيئات مدنية إلى “فتح تحقيق شفاف ومسؤول في القضية، موجهة نداءً صريحاً إلى السيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بالرشيدية ووكيل الملك بميدلت، وجميع الأجهزة الأمنية بالنظر بعين الجدية في التحقيقات السابقة وما شابها من تلاعب أو تقصير”.
وأكد النشطاء أن “كرامة المواطنين وحرمة الدماء أسمى من أي سلطة أو مال أو نفوذ”، مشددين على أن “الهدف من إثارة هذا الملف ليس الإثارة أو الاتهام المجاني، بل التمسك بالحق في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة دون تمييز طبقي أو اجتماعي”.
وختم النداء برسالة قوية: “نحن لا نكتب بدافع الإثارة أو الاتهام، بل بدافع الواجب، لأن الضمير لا يُشفى بالصمت، ولأننا نريد وطنا يُعامل فيه أبناؤه بعدل، لا حسب انتماءاتهم أو أصولهم الاجتماعية”.
ويشهد موقع التواصل الإجتماعي فايسبوك حملات تحت وسم #كلنا_محمد، في إشارة إلى اسم الضحية، حيث يطالب المغاربة بالكشف عن ملابسات ما يقولون إنه“ قتل راعٍ صغير حُرم من العدالة بسبب الفقر”.