اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ١٥ حزيران ٢٠٢٥
'العطاء لا يُنقص، بل يزيد'، بهذه العبارة التي تختزل جوهر العمل الإنساني، يمكن أن نلخّص تجربة صفاء، الشابة المغربية والمساعدة الاجتماعية، التي اختارت أن تستجيب لنداء القلب والواجب بعد فاجعة زلزال الحوز. ففي خضم الكوارث الطبيعية، يبرز بعض الأشخاص كشموع تضيء في عتمة الألم، يحملون قلوبًا 'مليئة' بالعطاء، وينخرطون بإخلاص في خدمة المتضررين دون انتظار مقابل.
صفاء كانت واحدة من هؤلاء. استجابت لنداء الواجب الإنساني، لتخوض تجربة إنسانية ومهنية غيّرت نظرتها للحياة والعمل، وتركت بصمة في نفوس من التقتهم، كما تركوا هم بدورهم بصمتهم في قلبها.
في الحوار التالي، نستعرض معها تفاصيل هذه الرحلة الإنسانية بكل ما حملته من مواقف، مشاعر، ودروس لا تُنسى.
كيف خطرت لك فكرة التطوع لخدمة ضحايا زلزال الحوز؟
منذ اللحظة الأولى التي علمت فيها بوقوع الزلزال، شعرت بنداء داخلي قوي يدفعني للتحرك. لم يكن مجرد خبر عابر بالنسبة لي، شعرت أنه من واجبي الإنساني والمهني كمساعدة اجتماعية الحضور إلى جانب المتضررين، أن أساندهم وأساهم في إعادة بناء الأمل في نفوسهم. وعند علمي بفرصة التطوع مع *CorpsAfrica/Maroc*، لم أتردد ولو لثانية في اتخاذ قرار الالتحاق بالمناطق المتضررة جراء زلزال الحوز.
شعرت أنها الطريقة الأمثل لأكون قريبة من ضحايا هذه الهزات ومن احتياجاتهم الحقيقية، خصوصًا في ظل تضارب الأفكار والأطروحات خلال تلك الفترة. ليتبلور هذا الشعور فيما بعد ويتحول إلى تجربة ميدانية معاشة ذات أثر إنساني وشخصي عميق، سنأتي على سرد تفاصيله فيما هو قادم من هذا الحوار.
أكيد أن تجربتك في الحوز تولدت عنها حكايات وطرائف، احكي لنا بعضها
فعلاً، هناك مواقف عديدة لا تُنسى، منها ما اتّسم بشيء من الطرافة، ومنها ما هو مؤثر.
بمجرد سؤالك لي هذا السؤال، صراحةً خطرت إلى ذهني واحدة من أجمل اللحظات… لازلت أتذكر أنني، خلال حصص محو الأمية مع النساء في بداياتي آنذاك، كانت تنتابني أحاسيس متعددة، دعني – إن سمحت – أُلخّصها في التردد والخجل. لكن سبحان الله العظيم، ودونما أن أشعر بسياقات ولا ظروف التغيير، تحوّل القسم بالنسبة لي من حجرة دروس عادية إلى فضاء مليء بالضحك والدعم المتبادل.
كان نساء المنطقة لا يتحدثن سوى الأمازيغية، ما جعلهن يعملن على تبسيط الحروف لبعضهن البعض بطريقة عفوية وانسيابية يصعب عليّ تسميتها أو شرحها، بل لا أدري متى وقع كل هذا. لكن ما يمكنني قوله هو أن حجرة الدرس أضحت مرتعًا لجوّ دافئ ومشجع على التعلّم، ما أدى فيما بعد إلى التحاق نساء أخريات بالحصص، وهو ما جعل العائلة تكبر أكثر فأكثر.
من بين الجمل التي لا أنساها ولن أنساها ما حييت… تلك الجملة الصادرة عن إحدى النساء وهي تبتسم بفخر: 'أنا فرحانة بزاف حيث ملي نمشي نزور ولادي فمراكش ولا الدار البيضاء، غادي نقدر نقرا نوامر الطوبيسات بوحدي وما نبقاش نسول الناس'.
كانت لحظة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في معناها… لحظة أدركتُ فيها أن المعرفة تمنح الحرية والثقة بالنفس.
هل لازالت الساكنة تعاني ويلات مخلفات الزلزال؟
رغم المجهودات المبذولة من طرف مختلف الجهات، إلا أن الواقع اليومي للساكنة لا يزال صعبًا. التحديات عديدة: من ظروف السكن، إلى ضعف البنية التحتية، إلى محدودية الولوج إلى التعليم والصحة. هناك صبر وإرادة قوية في نفوس هؤلاء الناس لم أرَ مثلها في حياتي، لكن الدعم المستمر يبقى ضروريًا، خاصة للأطفال والنساء الذين يعيشون في وضعية هشّة.
ما تقييمك للتجربة التي عشتِها في الحوز؟
تجربتي في الحوز غيّرت حياتي على جميع المستويات. تعلمت من الناس هناك معنى التآزر والصبر الحقيقي، وشعرت بأنني لا أقدّم فقط، بل أتعلم وأتغذى إنسانيًا من هذه التجربة. العمل الميداني هو مدرسة حقيقية، صقل شخصيتي ومهاراتي بشكل لم أكن أتوقعه يوم اخترت خوض هذه التجربة… يمكنني القول إنها كانت مرآة تعكس لي المعاني العميقة للعطاء والمسؤولية المجتمعية.
هل تراودك أفكار للعودة مرة أخرى لمنطقة الحوز؟
أكيد. منطقة الحوز لم تعد فقط مكانًا اشتغلت فيه كمتطوعة، بل أصبحت جزءًا من ذاكرتي ومن قلبي. دوار 'أكني' الذي خدمت فيه أصبح بمثابة عائلة ثانية لي.
الناس هناك احتضنوني بمحبتهم وكرمهم، حتى شعرت أنني واحدة منهم. فراقهم كان صعبًا جدًا، لكنني مؤمنة أن الصلة بيننا لن تنقطع. وسأعود حتمًا كلما سمحت لي الظروف بذلك، لأن الروابط التي جمعتنا أعمق من أن تُفكّ بمجرد انتهاء المهمة.
كلمة أخيرة:
أود أن أشكرك أولًا على هذا الحوار الجميل، وأن أقول لعموم القراء الأفاضل إن العمل التطوعي ليس مجرد عطاء فقط، وإنما هو فعل حب، وإنسانية، وفضاء لتطوير شخصية الفرد والمجتمع.
أدعو كل شابة وشاب إلى خوض هذه التجربة، لأنها حتمًا ستُحدث فرقًا في حياتهم أولًا قبل أي شخص آخر.
شكرًا لكل من رافقني في هذه الرحلة، وشكرًا لساكنة الحوز على حبها الذي غمرتني به، وعلى دروسها الميدانية التي لا تُدرّس إلا بالاحتكاك بأشخاص من طيبتهم ومن طينتهم.