اخبار المغرب
موقع كل يوم -العمق المغربي
نشر بتاريخ: ٥ كانون الأول ٢٠٢٤
يزخر المغرب بإمكانات مهمة لتحقيق نمو اقتصادي متسارع، مدعومًا بموقع جغرافي استراتيجي، وقوة عاملة شابة ومؤهلة، وعلاقات دولية متينة…، كلها عوامل مجتمعة تضع المغرب على عتبة تحقيق قفزة اقتصادية نوعية، تمكنه من تقليص الفجوة التنموية مع الدول الأوروبية المتقدمة، لا سيما إسبانيا.
حسب صحيفة 'elEconomista'، يشهد المغرب المغرب تحولاً لافتاً نحو ترسيخ مكانته كقوة صاعدة في صناعة السيارات، مما يثير آمالاً كبيرة في دفع عجلة النمو الاقتصادي خلال السنوات القادمة، وهو ما يأتي بالتزامن مع توقعات بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يتفق مع تحليلات العديد من الخبراء.
عثرة عابرة
لكن يبدو أن هذه الصورة قد تتغير قريباً، فوفقاً لتقرير حديث للمحلل الاقتصادي في شركة 'كابيتال إيكونوميكس'،جيمس سوانستون، فإن التباطؤ الاقتصادي الحالي في المغرب قد يكون مؤقتاً ولا يتعدى كونه مجرد عثرة عابرة.
كما ويشير الاقتصادي في بنك 'بي إن بي باريبا'، ستيفان ألباي، إلى أن الجفاف الذي ضرب البلاد هو السبب الرئيسي وراء هذا التباطؤ المؤقت، 'فإذا استبعدنا تأثير هذا القطاع، نجد أن النشاط الاقتصادي استمر في النمو بنسبة 3.3% خلال النصف الأول من عام 2024'.
وأكد تقرير الصحيفة الإسبانية أن شركة 'كابيتال إيكونوميكس' تتوقع نموًا اقتصاديًا قويًا للمغرب خلال العامين المقبلين، إذ يُقدر معدل النمو بحوالي 5% لعامي 2025 و2026، ويعزى هذا التوقع الإيجابي إلى مجموعة من العوامل الإيجابية، بما في ذلك انخفاض التضخم واستقراره، ومرونة السياسة النقدية، وازدهار القطاع الصناعي، ما يؤكد أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق تقارب أسرع في الدخل مع الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة، ومقارنة بالعديد من الاقتصادات الناشئة الأخرى.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الاقتصاد المغربي يشهد حاليًا دخلًا فرديًا يبلغ حوالي 4200 دولار أمريكي، وهو أقل بكثير من الدخل الفردي في إسبانيا الذي يتجاوز 30,000 دولار أمريكي، وفقًا لأحدث بيانات صندوق النقد الدولي، ويعود جزء كبير من هذه الفجوة الواسعة إلى الفترة ما بين الخمسينيات والثمانينيات، حيث شهدت إسبانيا نموًا اقتصاديًا متسارعًا بفضل ثورتها الصناعية وزيادة الإنتاجية، فبين عامي 1950 و1974 على سبيل المثال، حققت إسبانيا متوسط نمو سنوي وصل إلى 6.3%، وفقًا لتقرير حديث من دويتشه بنك.
تباطؤ في النمو
شهد الاقتصاد المغربي حسب المصدر ذاته تباطؤًا ملحوظًا في نموه بعد النجاحات الأولية، فبين عامي 1975 و1999، بلغ متوسط النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي 2.6%، لكنه تراجع إلى 1.6% فقط خلال الفترة من 2000 إلى 2024، وفي ظل هذا التباطؤ، يسعى المغرب اليوم إلى تكرار التجربة الإسبانية، حيث حققت إسبانيا نموًا اقتصاديًا قويًا في منتصف القرن العشرين، ويرغب المغرب في اتباع نفس المسار لتحقيق نهضة اقتصادية جديدة.
وأوضح التقرير أن قطاع صناعة السيارات في المغرب عرف نموًا متسارعًا في السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من وجود 'رونو' في المغرب منذ ثلاثينيات القرن الماضي، إلا أن هذا القطاع شهد طفرة حقيقية في القرن الحادي والعشرين، فمنذ بدء عمليات مصانع 'رونو' في الدار البيضاء وطنجة في عامي 2005 و2012 على التوالي، تجاوز إنتاجهما الإجمالي لأكثر من أربعة ملايين سيارة، ومن المتوقع أن يساهم دخول 'سيتروين' إلى السوق المغربية في زيادة هذا الإنتاج بشكل كبير، حيث تستهدف إنتاج 100,000 سيارة بحلول عام 2027. ونتيجة لهذه الديناميكية، تجاوز إنتاج السيارات في المغرب حاجز 500,000 وحدة في العام الماضي، متفوقًا على دول مثل هنغاريا ورومانيا واقترابًا من بولندا.
وأشار المصدر ذاته إلى أن قطاع صناعة السيارات في المغرب عرف نموًا ملحوظًا بعد جائحة كورونا، مدفوعًا بالتحول العالمي نحو السيارات الكهربائية، وتجلى هذا النمو في تضاعف عدد المشاريع الاستثمارية في هذا القطاع، مؤكدا أن هذه الأرقام من المتوقع أن تنتج شركة سيتروين الفرنسية حوالي 100,000 سيارة في المغرب بحلول عام 2027.
وزادت إنتاجية السيارات في المغرب بنسبة 15% لتتجاوز 500,000 وحدة في العام الماضي، ويعزى جزء كبير من هذا النمو إلى الاستثمارات الصينية الضخمة في مجال البطاريات الكهربائية، حيث ستقوم شركات مثل 'جوشين هاي تك' و'هوانان تشونغكي شينزوم تكنولوجي' بإنشاء مصانع ضخمة في المغرب، فيما كما تخطط شركة 'بي تي آر نيو ماتيريال' لإنتاج 50,000 طن من الكاثودات سنويًا، مما يعزز مكانة المغرب كمركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية.
تشابه مع التجربة الإسبانية
وشبه الاقتصادي في أكسفورد فرانسوا كونرادي،التجربة المغربية الحالية بتجربة إسبانيا في الستينيات والسبعينيات، حيث قال في تصريح لـ elEconomista.es: 'نعم، نفس المنطق يُطبق: الاستفادة القصوى من قوة عاملة مؤهلة ورخيصة نسبياً، وقربها من السوق الأوروبية. هذه اللحظة مواتية جداً، خاصة مع التحول نحو السيارات الكهربائية في أوروبا الذي يحافظ على الطلب على السيارات'.
وأبرز التقرير أن الأرقام تؤكد الدور البارز الذي يلعبه المغرب في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فبعد إطلاق النموذج التنموي تضاعف عدد هذه المشاريع خمس مرات خلال عامين فقط، معتبرا أن يمتلك أكبر نسبة من المشاريع الجديدة المعلنة كنسبة من الناتج المحلي، حيث بلغت هذه النسبة 14% في عام 2023، مسجلا مساهمة الصين بشكل كبير في هذا النمو، حيث ارتفعت مساهمتها في إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة من أقل من 2% إلى حوالي 30% خلال الفترة 2022-2023.
وشدد المصدر ذاته على أن المغرب يتميز بمجموعة من المزايا التي تجعله مرشحًا قويًا ليكون مصنعًا للطاقة في أفريقيا، بل وربما في أوروبا، فإلى جانب توفر اليد العاملة المؤهلة بتكلفة معقولة والبنية التحتية المتطورة، يتمتع المغرب بوفرة في مصادر الطاقة المتجددة، خاصة الشمس والرياح، وهذه المزايا إلى جانب أسعار الطاقة التنافسية، تجعل من المغرب وجهة جذابة للاستثمارات في مجال الطاقة النظيفة، مما يجعله قادراً على تلبية الطلب المتزايد على الطاقة في أوروبا.
ويسعى المغرب جاهدة لتحقيق انتقال طموح نحو الطاقة الخضراء، حيث تستهدف زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 80% بحلول عام 2050، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 45.5% بحلول عام 2030، وفقًا لبيانات حديثة فإن هذه الأهداف الطموحة تضع المغرب في مصاف الدول الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، وتؤكد التزامها بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، وهو الهدف العالمي المتفق عليه.
هذا، وأشار مؤلف تقرير Capital Economics،جيمس سوانستون، في تصريح لـ elEconomista، أن المغرب لن يتمكن في المدى القصير والمتوسط من اللحاق بالدول الأفريقية الغنية بالثروات الطبيعية، ومع ذلك، يرى أن المغرب قادر على تحقيق نمو اقتصادي قوي من خلال التركيز على القطاعات الصناعية والخدمات الحديثة، مما سيؤدي إلى تحسن ملحوظ في مستوى معيشة المواطنين.