موريتانيا تسعى إلى الوقوف على الحياد بين المغرب والجزائر

نواكشوط تنشد توازن العلاقات بينهما وقضية الصحراء الغربية ملف شائك

تسعى موريتانيا إلى الحفاظ على توازن علاقاتها بالمغرب والجزائر بعد محاولات استقطابها من قبل الجانبين، كما تحاول تقريب وجهات النظر بين البلدين الجارين اللذين تجمعهما روابط كثيرة ويفرقهما الموقف من قضية الصحراء الغربية.

تعد موريتانيا الجار الجنوبي لكل من المغرب والجزائر بوابة العالم العربي نحو أفريقيا جنوب الصحراء، وكانت في مرحلة ما امتداداً للدول والإمبراطوريات التي حكمت المغرب، والتي بسطت سلطتها على الجنوب والشرق وامتدت سلطة بعضها إلى الأندلس، ومع دخول الاستعمار الفرنسي قسم المنطقة ووضع حدوداً بين المناطق.

تحتفظ موريتانيا بموقف محايد في قضية الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، وسبق لموريتانيا أن سيطرت على نصف أراضي إقليم الصحراء بعد أن تقاسمته مع المغرب عام 1975، لكن اشتداد المعارك عليها من طرف جبهة البوليساريو والانقلاب العسكري على حكم أول رئيس للبلاد بعد الاستقلال أدى إلى تنازل موريتانيا عن نصيبها من إقليم الصحراء وتحديداً منطقة 'الداخلة وادي الذهب' عام 1978، فضم المغرب هذه المنطقة إلى أراضيه.

وتشترك موريتانيا في حدود برية مع الصحراء الغربية تبلغ 1561 كيلومتراً، يتخللها معبر الكركرات، وهو المعبر البري الوحيد المفتوح في وجه المغرب، الذي لا يملك حدوداً برية أخرى سوى مع الجزائر التي أغلقت حدودها معه منذ عام 1994.

التوازن ورفض التكتلات

اعتباراً للخصوصية التاريخية وللعلاقات الممتدة بين سكان المنطقة ظلت موريتانيا تحتفظ بعلاقات متوازنة مع جاريها الشماليين وترفض الدخول في سياسة المحاور التي يفرضها الخلاف الممتد بين الرباط والجزائر منذ عقود.

في السياق، يذهب الباحث السياسي محمد محمود ولد الغيلاني إلى أن موريتانيا لا ترغب في معاداة دولة على حساب أخرى، بخاصة من دول الجوار وفي منطقة المغرب العربي، كما أنها تتحفظ في شأن سياسة المحاور وتفضل أكثر التوازن في العلاقات الثنائية بينها وبين دول المنطقة، إذ إنها تبني علاقاتها على أساس احترام الجوار والمصلحة العليا لموريتانيا.

يضيف 'وسط الخلافات الدائمة بين المغرب والجزائر حافظت نواكشوط على علاقة متوازنة مع الطرفين ونأت بنفسها عن سياسة التكتل في المحاور، وحاولت أن تلعب دور الوساطة بين طرفي الأزمة أكثر من مرة لكن جهودها باءت بالفشل بسبب تمسك كل طرف برأيه'.

يشير الباحث إلى أن موريتانيا استفادت من عقود شراكة اقتصادية مهمة مع كل من الرباط والجزائر، فيما نواكشوط حريصة على الاستفادة من هذه الشراكات والاحتفاظ بموقف واضح وثابت والوقوف على مسافة واحدة من طرفي الأزمة.

ويؤكد الباحث أن المغرب كان سباقاً لتنويع وتقوية علاقات الشراكة بموريتانيا بسنوات، قبل أن تسعى الجزائر في الآونة الأخيرة، للحذو نحو تعزيز علاقاتها بنواكشوط والاستثمار في قطاعات مختلفة كالصيد والتجارة.

شراكات اقتصادية

افتتحت الجزائر وموريتانيا في فبراير (شباط) الماضي أول معبر بري بينهما من أجل إحداث حركية اقتصادية والرفع من وتيرة التنمية بالمناطق الحدودية، كما شهدت العلاقة بين البلدين تبادلاً متزايداً للزيارات الرسمية على مختلف المستويات، وإنشاء عدد من المشاريع المشتركة.

ووقعت الجزائر وموريتانيا اتفاقات تعاون لتكثيف وتنويع الأنشطة التجارية والاقتصادية والارتقاء بمستوى تعاونهما الثنائي إلى آفاق أوسع والرفع من حجم المبادلات التجارية التي تعرف حالياً تنامياً مستمراً، وافتتحا منطقة حرة للتبادل التجاري بهدف دفع التعاون الاقتصادي، كما افتتحت الجزائر سلسلة فروعها المصرفية في أفريقيا بتدشين مصرف تجاري بالعاصمة الاقتصادية انواذيبو (شمال موريتانيا).

وتعد الجزائر أحد أهم الشركاء الاقتصاديين لموريتانيا في عهد الرئيس محمد ولد الغزواني، إذ سجلت قيمة الصادرات الجزائرية نحو موريتانيا ارتفاعاً مطرداً خلال السنوات الثلاث الماضية تجاوزت نسبة 200 في المئة، وارتفعت قيمة المبادلات التجارية الجزائرية الموريتانية إلى 414 مليون دولار، خلال 2023 مقارنة بـ297 مليون دولار خلال عام 2022.

في المقابل سجلت التبادلات التجارية بين المغرب وموريتانيا دينامية غير مسبوقة خلال العامين الماضيين، إذ ناهزت قيمة هذه التبادلات 300 مليون دولار أميركي عام 2022، محققة بذلك نسبة نمو بلغت 58 في المئة مقارنة مع عام 2020.

كما يعد المغرب المستثمر الأول في موريتانيا على المستوى الأفريقي، عبر قطاعات مهمة مثل الاتصالات والبنوك، وتحويل وتثمين منتجات الصيد البحري وقطاع الزراعة وقطاع إنتاج الأسمنت.

اتحاد المغرب العربي

يقول الباحث السياسي الموريتاني يحيى محمد سالم إن 'موريتانيا حريصة على استمرار اتحاد المغرب العربي، وتسعى إلى إحيائه والبحث عن طريقة لتحريك حالة الجمود التي يعانيها، وبدء وساطة بين المغرب والجزائر من دون الانحياز لأي طرف'.

وأكد أن موريتانيا تعترف بالجمهورية العربية الصحراوية منذ انسحابها من الصحراء عام 1978، لكنها تتمسك بموقف محايد في نزاع الصحراء الغربية، وتدعو دائماً الأطراف إلى الحوار وحل النزاع حول هذه القضية التي تعتبر العقبة الأولى أمام الاتحاد المغاربي.

وأوضح أن نواكشوط ستبقى محافظة على السير في هذا الخط الدقيق الفاصل بين أطراف النزاع، بخاصة أنه يوجد على أراضيها آلاف الصحراويين من أبناء إقليم الصحراء، وتتوزع الأسر الموريتانية في هذه المنطقة بين المغرب والصحراء، مما يفرض على موريتانيا التعامل بحرص مع الطرفين ومحاولة التوفيق بينهما على رغم صعوبة المهمة التي عجزت الوساطات العربية والدولية طوال أكثر من 44 سنة عن تحقيقها.

اتهامات بالسطو

في سياق متصل، قال مصدر دبلوماسي مغربي الاثنين لوكالة الصحافة الفرنسية، إن اتهامات الجزائر للرباط 'بالسطو' على عقارات تابعة لها في المغرب 'لا أساس له'، وتندرج في نطاق 'روح تصعيدية غير مبررة'.

جاء ذلك غداة تنديد وزارة الخارجية الجزائرية 'باستفزازات' و'عملية سلب متكاملة الأركان' لممتلكات تابعة لسفارتها في الرباط، بعد ورود أنباء حول الموضوع في وسائل إعلام.

لكن مصدراً دبلوماسياً مغربياً اعتبر أن الرد الجزائري 'لا أساس له، ويتضمن عدة ادعاءات خاطئة كما يندرج في سياق روح تصعيدية غير مبررة'.

وأوضح، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أن وزارة الخارجية المغربية تقدمت لدى السلطات الجزائرية العام 2022 بطلب لشراء مبنى تابع لها مجاور لمقر الوزارة، على أساس أنه بقي شاغراً منذ تغيير مقر السفارة الجزائرية في الرباط، وذلك في إطار مشروع لتوسعة مكاتب الوزارة.

وأضاف 'دبر المغرب هذا المشروع بكل شفافية وفي تواصل دائم مع السلطات الجزائرية'، مشيراً إلى أنها 'ردت' على الطلب المغربي لكن العملية 'مجمدة حالياً، لأن المغرب لا يتصرف وفق منطق تصعيد'.

وأكد أن الأمر لا يتعلق بمقر سفارة الجزائر ولا مقر إقامة السفير، مشيراً إلى أن الخارجية المغربية اتخذت إجراءات مماثلة مع مقار دبلوماسية أجنبية أخرى لتوسعة مقرها.