اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ١٥ أيار ٢٠٢٥
فتح إعلان وزارة الدفاع نيتها إيجاد «مصادر دخل بديلة، من خلال خلق أذرع استثمارية تقلل الاعتماد الكلي على الموارد النفطية، إضافة إلى ترسيخ مبدأ الشفافية وحوكمة الأداء، والعمل على ترشيد الإنفاق العام» الباب أمام تساؤلات عديدة حول هذه الخطوة ومدى جدية تنفيذها وجودة عوائدها.ولعله من الإنصاف عدم الجزم بنجاح أو فشل فكرة من هذا النوع قبل الإعلان الكامل عن تفاصيلها رسمياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك تجارب دولية ناجحة لاستثمارات الجيوش، بما يدر عليها من إيرادات تخفّف أعباء مصروفاتها مقابل نماذج عربية مدمرة أدى فيها تدخّل الجيش بالعمل الاستثماري والتجاري إلى تدمير الاقتصاد والمؤسسات وحتى المجتمع، كذلك من الواقعية طرح التوجس والقصور والتناقضات التي تترتب على دخول الجيش الكويتي في المجال الاستثماري بما ينتج عنه لاحقاً - حتى مع النوايا السليمة - نتائج سلبية يصعب معالجتها.مشهد فوضوي
فتح إعلان وزارة الدفاع نيتها إيجاد «مصادر دخل بديلة، من خلال خلق أذرع استثمارية تقلل الاعتماد الكلي على الموارد النفطية، إضافة إلى ترسيخ مبدأ الشفافية وحوكمة الأداء، والعمل على ترشيد الإنفاق العام» الباب أمام تساؤلات عديدة حول هذه الخطوة ومدى جدية تنفيذها وجودة عوائدها.
ولعله من الإنصاف عدم الجزم بنجاح أو فشل فكرة من هذا النوع قبل الإعلان الكامل عن تفاصيلها رسمياً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك تجارب دولية ناجحة لاستثمارات الجيوش، بما يدر عليها من إيرادات تخفّف أعباء مصروفاتها مقابل نماذج عربية مدمرة أدى فيها تدخّل الجيش بالعمل الاستثماري والتجاري إلى تدمير الاقتصاد والمؤسسات وحتى المجتمع، كذلك من الواقعية طرح التوجس والقصور والتناقضات التي تترتب على دخول الجيش الكويتي في المجال الاستثماري بما ينتج عنه لاحقاً - حتى مع النوايا السليمة - نتائج سلبية يصعب معالجتها.
مشهد فوضوي
فالتوجس يتعلق بإيلاء عملية إدارة الأصول او الأذرع الاستثمارية إلى جهة غير مختصة بتاتاً بالاقتصاد، وهي الجيش، في ظل وجود جهات حكومية مختصة هي الهيئة العامة للاستثمار أو «التأمينات الاجتماعية» التي لا يقتصر عملها فقط على إدارة الأصول كالأسهم والسندات، إنما يمتد إلى الأمن الغذائي والتكنولوجيا والتطوير العقاري والاستثمارات المصرفية والمالية داخل أو الكويت خارجها، فضلاً عن أن استثمارات الجيش تعبّر عن تناقض واضح لتوجهات مجلس الوزراء نحو حرمان جهات كأمانة الأوقاف وشؤون القُصّر من حق إدارة الأصول والاستثمارية، بعذر أن هناك جهة مختصة بإدارة الاستثمارات هي الهيئة العامة للاستثمار، مع العلم بأن «الأوقاف» و«القصّر» هما جهتان استثماريتان حتى مع أغراضهما الاجتماعية بعكس الجيش الذي تتمحور أعماله في إطار العسكرية... وفي الحالتين نحن أمام مشهد فوضوي يتجاوز عمداً وجود مؤسسات مختصة بالاستثمارات الحكومية مباشرة أو غير مباشرة.
وفي الحقيقة، فإن تعامل المؤسسات العسكرية مع الأمور الاستثمارية يحمل ذكريات مؤلمة تمثلت في قضية «صندوق الجيش»، وهذا ليس تشكيكاً بذمم القائمين حالياً على الجيش، بل تذكيراً بوجوب فصل الاختصاص العسكري عن العمل الاستثماري.
فرصة الأوفست
أما القصور، فيرتبط بفرصة ضائعة، أهمها أن فكرة استثمارات الجيش تأتي بعد 9 سنوات من إعلان فشل نظام الأوفست وتصفية شركته المختصة الوطنية للأوفست، وتحويل النظام إلى اختصاص هيئة تشجيع الاستثمار المباشر (الأجنبي)، من دون تنفيذ صفقة أوفست واحدة خلال هذه الفترة، مع أن نظام الأوفست مُعدّ بهدف تحويل ما يصل إلى ثلث قيمة الصفقات العسكرية والمدنية إلى مشاريع استثمارية في قطاعات تنموية، وهو ما فعلته قطر من خلال مشروع دولفين، كذلك الإمارات في تأسيس شركة لبناء السفن والسعودية في مجالات الاستثمار التكنولوجي.
فنظام الأوفست عموماً هو نظام التزام يتعلق بالعمليات المالية المتقابلة، بحيث يفرض على الكيانات الأجنبية التي توقع عقوداً مع الحكومة، ويجب عليها مقابل تلك العقود تنفيذ مشاريع وفقاً لبرنامج الأوفست على العقود العسكرية التي تعادل قيمتها 3 ملايين دينار فما فوق، والعقود المدنية التي تعادل 10 ملايين فما فوق، وتحتسب قيمة التزام الأوفست على أساس نسبة تصل إلى 35 في المئة من القيمة النقدية للعقد، بمعنى أنه لو اشترت حكومة الكويت أسلحة أو معدات بمليار دينار، مثلاً، فإن الجهة الأجنبية التي باعت هذه الأسلحة ملزمة بتنفيذ مشاريع، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والتعليم والبحث العلمي والبنية التحتية والصحة والبيئة، وغيرها من الاحتياجات محل الاتفاق، بقيمة تصل إلى 350 مليون دينار، وهو ما يتّسق، حال تنفيذه، بصورة سليمة مع الخطاب الرسمي بخفض المصروفات وكفاءة الإنفاق الاستثماري في الميزانية، فضلاً عن توفير فرص العمل وجذب التكنولوجيا.
وبالتالي، فإنّ سد القصور في نظام الأوفست وتفعيل مشاريعه وإصلاحه وتحقيق عوائد تنموية من الإنفاق العسكري، وفضلاً عن المدني هو أكثر جدوى للاقتصاد من دخول الجيش في أدوات استثمارية هي ليست من صميم اختصاصاته، إذ ضيعت الكويت بسبب نظام الأوفست منذ توقّفه عام 2016 على الأقل نحو 7 مليارات دينار، فضلاً عن الفرص الأخرى، كالخبرات والتكنولوجيا والتدريب.
تناقض السياسات
ولا شك في أن فكرة «استثمارات الجيش» تكشف عن تناقضات عديدة مع السياسات أو على الأقل التصريحات الحكومية، ففي الوقت الذي يتحدث الخطاب الحكومي الاقتصادي عن أهمية تنمية دور القطاع الخاص بالناتج المحلي الاجمالي الذي لا يتجاوز في أفضل الأحوال 15 في المئة من حجم الاقتصاد، تقوم الحكومة ذاتها بخلق أنشطة اقتصادية غير ضرورية لمؤسسة عسكرية ممكن أن تقوض القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي، كما أن الحديث في مؤتمر وزارة الدفاع عن ترسيخ مبدأ الشفافية وحوكمة الأداء لا يستقيم مع قرارات مجلس الوزراء بتقييد صلاحيات ديوان المحاسبة ومنعه من نشر تقاريره.
وزارة بلا حكومة
ولعل من قصور الإدارة العامة ما يمكن أن ينسف أي جهود أو توجهات حتى لو كانت جادة، ففكرة أن تعلن «الدفاع» خطتها الاستراتيجية 2025 - 2030، وسط إحجام مجلس الوزراء منذ عام عن إصدار خطة أو برنامج عمل الحكومة، تبدو مثار تساؤلات! فالحديث عن أي خطة استراتيجية يفترض في معناه وأصله وقيمته أنه يأتي في سياق خطط مجلس الوزراء التي تشمل كل القطاعات، ومنها العسكرية، وليست خطة منفصلة، مع تأكيد خطورة أن تصدر كل وزارة خطتها المنفصلة عن خطة الحكومة المتأخرة بلا سبب معلن، في مشهد فوضوي يحول أي فكرة مهما كانت سليمة أو صادقة إلى نتيجة فاشلة، فكيف الأمر إذا كانت الفكرة أصلاً محل شكّ وتوجس؟!
قبول ومخاوف
قد يكون مقبولاً أن يتولى الجيش بعض الأعمال الاقتصادية المحدودة التي تخدم عملياته وكفاءته، كالتصنيع العسكري المتوسط، أو رفع المستويات التكنولوجية أو ضبط انظمة المشتريات بما يخفض من المصروفات، أما الخوف فهو أن تكون له أغراض اقتصادية واستثمارية تخالف أغراضه الأساسية، وتعاكس منطق وجوده.