اخبار الكويت
موقع كل يوم -جريدة الجريدة الكويتية
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تناقلت الصحف الأميركية مؤخرا خبرا أعاد إلى الواجهة نقاشا اقتصاديا قديما، حيث كشف عمدة شيكاغو، براندون جونسون، عن مقترح ضمن ميزانية عام 2026 لإحياء ما يُعرف ب «ضريبة الشركات على الرؤوس» (Corporate Head Tax)، ويقضي المقترح بإلزام الشركات الكبرى التي توظف أكثر من 100 شخص بدفع مبلغ 21 دولارا شهريا عن كل موظف، بهدف توفير مصدر تمويل مستدام للموازنة العامة للمدينة التي تواجه عجزا ماليا ضخما يقدر ب 1.19 مليار دولار. هذه الضريبة ليست جديدة على شيكاغو، بل هي إعادة إحياء لضريبة سبق أن ألغاها العمدة السابق رام إيمانويل عام 2011 بعد أن ثبت أنها غير فعالة وضارة بجهود استقطاب الشركات والاحتفاظ بها.لفهم أبعاد هذا المقترح، لا بد من تفكيك طبيعة هذه الضريبة وتأصيلها التاريخي والقانوني، ثم تحليل آثارها الاقتصادية المحتملة على واحدة من كبرى مدن الولايات المتحدة.من «ضريبة الرأس» إلى «ضريبة التوظيف»
تناقلت الصحف الأميركية مؤخرا خبرا أعاد إلى الواجهة نقاشا اقتصاديا قديما، حيث كشف عمدة شيكاغو، براندون جونسون، عن مقترح ضمن ميزانية عام 2026 لإحياء ما يُعرف ب «ضريبة الشركات على الرؤوس» (Corporate Head Tax)، ويقضي المقترح بإلزام الشركات الكبرى التي توظف أكثر من 100 شخص بدفع مبلغ 21 دولارا شهريا عن كل موظف، بهدف توفير مصدر تمويل مستدام للموازنة العامة للمدينة التي تواجه عجزا ماليا ضخما يقدر ب 1.19 مليار دولار. هذه الضريبة ليست جديدة على شيكاغو، بل هي إعادة إحياء لضريبة سبق أن ألغاها العمدة السابق رام إيمانويل عام 2011 بعد أن ثبت أنها غير فعالة وضارة بجهود استقطاب الشركات والاحتفاظ بها.
لفهم أبعاد هذا المقترح، لا بد من تفكيك طبيعة هذه الضريبة وتأصيلها التاريخي والقانوني، ثم تحليل آثارها الاقتصادية المحتملة على واحدة من كبرى مدن الولايات المتحدة.
من «ضريبة الرأس» إلى «ضريبة التوظيف»
اسم الضريبة ليس جديدا، بل هو مستمد من مصطلح «Poll Tax» التاريخي الذي تعود جذوره إلى إنكلترا في القرن الرابع عشر، حيث كانت تفرض على «كل رأس»، أي على كل فرد في المجتمع بمبلغ ثابت، بغض النظر عن دخله أو ممتلكاته. عُرفت هذه الضريبة في العديد من الدول عبر التاريخ بنسخ مختلفة، وكانت مثار جدل واعتراض لعدم مراعاتها قدرة الأفراد المالية.
واشتهرت ضريبة عام 1380 على وجه الخصوص، إذ كانت الشرارة التي أدت إلى اندلاع ثورة الفلاحين الشهيرة في إنكلترا عام 1381. ففي ذلك الوقت، كان كل من تجاوز سن الرابعة عشرة ملزما بدفع الضريبة التي ارتفعت قيمتها بشكل كبير، الأمر الذي شكل عبئا ثقيلا على الطبقات الفقيرة. ومع تراكم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتوترة آنذاك، ولا سيما القوانين العمالية الصارمة التي أعقبت وباء الطاعون الأسود وتكاليف حرب المئة عام، أصبحت هذه الضريبة الجائرة القشة التي قصمت ظهر البعير وأشعلت شرارة الثورة. ورغم أن الثورة أُخمدت سريعا، فإنها حققت إنجازا مهما تمثل في إلغاء ضريبة الرؤوس بالكامل، مما جعلها تعد محطة تاريخية بارزة تظهر كيف يمكن للسياسات الضريبية غير العادلة أن تزعزع الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
في صورتها الحديثة التي تقترحها شيكاغو، انتقلت الفكرة من الأفراد إلى الشركات، فأصبحت «رأس كل موظف» هي الوحدة الحسابية التي تحدد مبلغ الضريبة. ومن المهم التوضيح أن هذه الضريبة ليست ضريبة على الدخل أو الأرباح أو المبيعات، بل هي ضريبة تفرض على علاقة العمل ذاتها، وتدرج ضمن فئة «ضرائب التوظيف» (Employment-based Tax) أو كما صنفتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ضمن فئة «ضرائب كشوف المرتبات والقوى العاملة» (Taxes on Payroll and Workforce). وتفرض هذه الضريبة كمبلغ ثابت عن كل موظف، بغض النظر عما إذا كان أجره مرتفعا أم منخفضا، أو ما إذا كانت الشركة تحقق أرباحا طائلة أم تواجه صعوبات مالية.
الطبيعة القانونية لضرائب التوظيف: ضريبة مباشرة بامتياز
يثار تساؤل مهم في الفكر المالي الحديث حول الطبيعة القانونية لهذه الضريبة وتصنيفها ضمن الضرائب المباشرة أو غير المباشرة. ووفقا للمعايير الكلاسيكية التي أرسى دعائمها مفكرون مثل آدم سميث، وتتبناها منظمات دولية مثل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، تعد هذه الضريبة ضريبة مباشرة، وذلك لعدة أسباب جوهرية:
الأثر الاقتصادي: سيف ذو حدين
على الرغم من أن الضرائب المباشرة تعد أكثر عدالة وكفاءة اقتصادية مقارنة بالضرائب غير المباشرة، لارتباطها المباشر بالمقدرة المالية لدافعها، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن الضرائب المباشرة في العصر الحديث تفرض عادة على الأموال والدخول لا على الأشخاص، في حين أن الوضع الراهن في شيكاغو يعيد إحياء ضريبة الأشخاص (الرؤوس) التي تفرض على العلاقة الوظيفية ذاتها، أي على وجود الموظف باعتباره وحدة التحصيل.
وفي الاقتصادات المحلية، تحمل ضريبة التوظيف في طياتها مزايا وعيوبا. يرى المؤيدون أنها قد تكون أداة لتحقيق عدة أهداف، منها:
يمثل مقترح «ضريبة الرؤوس» في شيكاغو حالة دراسية مثيرة للاهتمام حول كيفية محاولة المدن الحديثة إيجاد حلول مبتكرة لمشاكلها المالية، حتى لو كان ذلك عبر إحياء أدوات ضريبية تاريخية. ويبقى التحدي الأكبر في الموازنة بين الحاجة الماسة لتمويل الخدمات العامة الأساسية، وبين الحفاظ على بيئة أعمال جاذبة قادرة على خلق الوظائف ودفع عجلة النمو الاقتصادي.


































