اخبار الكويت
موقع كل يوم -الخليج أونلاين
نشر بتاريخ: ١ حزيران ٢٠٢٥
كامل جميل - الخليج أونلاين
الفنان التشكيلي العراقي مصطفى كريم علوان:
- الفن التشكيلي في دول الخليج العربي يعيش حالة من الازدهار اللافت في السنوات الأخيرة.
- الفنانات التشكيليات الخليجيات برزن بقوة وأصبحن يُشكلن عنصراً أساسياً في الحراك الثقافي.
- عرض فنانة خليجية لوحتها في دول أخرى يتيح للمتلقي العالمي فرصة لفهم هذه المنطقة خارج القوالب النمطية.
في الزوايا الهادئة للمعارض الفنية، وعلى جدران البيوت، وفي صالات عواصم عالمية، تنبثق لوحات لفنانات خليجيات لا يحملن فقط الريشة والألوان، بل يحملن ذاكرة الأرض، وحكايات الجدات، وصوت البحر، وهمسات النخيل، وعبق البخور.
هنّ نساء أخذنَ يتقدمن الصفوف في حركة الفن التشكيلي الخليجي، عبر رسم الصورة ومنحها بُعداً روحياً وجمالياً يعكس التراث المحلي في مشهد غالب عليه الرجال لسنين طويلة.
ليست مهمة الفنانة الخليجية اليوم محصورة في العرض أو التجميل، بل هي مشروع ثقافي كامل.
وفي أعمالهن، تجد الزخارف القديمة جنباً إلى جنب مع رؤى مستقبلية، وتلمس سعياً دؤوباً لنقل ملامح الهوية الخليجية، لا بصفة صور نمطية، بل لكونها واقعاً حياً يتغيّر ويتنفس.
تجسيد التراث
وتهتم التشكيليات الخليجيات بتجسيد التراث الخليجي عبر التنقل من ألوان البيوت الطينية إلى رقصات الأعراس، ومن الخط العربي إلى الأزياء الشعبية، حيث تحضر هذه العناصر في اللوحات لما تمثله من جسر يربط الذاكرة بالحاضر، ويضع التراث في قلب المعاصرة.
وفي زمن تتداخل فيه الثقافات وتضيع فيه الهويات أحياناً، تصبح مهمة الفنانة التشكيليّة الخليجية مسؤولية ثقافية وطنية وإنسانية؛ حيث تساهم في حفظ الذاكرة، وتضع الخليج على خريطة الفن العالمي لا بوصفه مستهلكاً للفن، بل صانعاً له.
قامات نسائية في عالم التشكيل
وفي هذا الشأن لا بد من التطرق إلى أعمال الفنانة التشكيلية السعودية لولوة الحمود، حيث تمزج الحمود بين الفلسفة البصرية والخط العربي، وتفتح نوافذ على الإرث الثقافي الخليجي في صيغة فنية معاصرة.
أعمال الحمود نالت تقديراً عالمياً، فاقتنى المتحف البريطاني عملها 'لغة الوجود'، وعُرضت أعمالها في متاحف عالمية كبرى وشاركت في معارض دولية مرموقة وبيعت لوحاتها في مزادات 'كريستيز' و'سوذبيز'.
أما الفنانة التشكيلية السعودية ثريا البقصمي، ففي لوحاتها، تنبض المرأة الخليجية بشجاعة ودفء، وتتحوّل الألوان إلى تعبير عن الأمل في وجه العواصف.
ولم تكن البقصمي مجرد رسامة، بل شاهدة على تحولات المنطقة، وصوتاً نسوياً كسر الصمت منذ عقود.
وتمثل الفنانة الإماراتية نجاة مكي رمزاً هاماً للتشكيل الإماراتي لكونها إحدى رائداته، وهي تؤمن بأن التراث مصدر أساسي لإلهام الفنان، وتجسد ذلك في أعمالها التي تستلهم القيم والتقاليد الشعبية بروح فنية معاصرة.
وتؤكد مكي أن المهرجانات التراثية تعزز صلة الأجيال بهويتهم، وتغذي الفنون بروح البيئة والذاكرة الجماعية.
أما الفنانة البحرينية هلال آل خليفة، رغم دراستها في بريطانيا وفرنسا وأمريكا، ظلّت مرتبطة بجذورها وحنينها إلى البيئة المحلية.
ودائماً ما تستوحي في أعمالها مفردات من التراث البحري وحكايات الغوص، لتقدم تجربة تشكيلية تمزج بين التعبير الرمزي المعاصر وعمق الهوية البحرينية
أما قطر، فشهدت بروز أسماء نسائية رائدة في المشهد الفني مثل مريم الملا التي اختارت أن توثق تفاصيل الحياة القطرية بأساليبها الخاصة، بين الواقعية والرمزية.
تعطي أعمال الملا نبذة عن حياة أهل قطر في السابق، إلى جانب رصد التحولات الكبيرة التي شهدتها الدولة والتي انعكست على مكانتها في العالم.
ويتجلى تأثير المكان في التجربة الفنية للفنانة العُمانية مريم الزدجالية بوصفه عنصراً جوهرياً في تشكيل رؤيتها الجمالية.
فالمواقع التراثية في سلطنة عمان، بما تحمله من عمق تاريخي وتنوع جغرافي، لا تكتفي بإلهامها، بل تمنح أعمالها روحاً نابضة بالانتماء.
الفن بيد نساء الخليج
دعم المؤسسات الرسمية، وصالات العرض، والمبادرات التعليمية، أسهم في خلق بيئة أكثر تقبلاً للفن النسائي، لكن الجوهر الحقيقي للتغيير كان دائماً في الإصرار الشخصي، والشغف الداخلي، والرغبة في أن يكون للصوت النسوي مكانه في تشكيل ذائقة المجتمع.
في نهاية المطاف، لا تُقاس قيمة الفن بعدد اللوحات ولا بعدد المعارض، بل بقدرته على لمس الأرواح وإثارة الأسئلة.
وفنانات الخليج، من الرياض إلى مسقط ومن الدوحة إلى الكويت ومن أبوظبي للمنامة، يفعلن ذلك بصمت جميل، وبرسائل بصرية تقول الكثير دون كلمات.
حول ذلك قال الفنان التشكيلي العراقي مصطفى كريم علوان إن الفن التشكيلي في دول الخليج العربي يعيش حالة من الازدهار اللافت في السنوات الأخيرة، نتيجة الدعم المؤسسي المتزايد، واهتمام الجيل الجديد من الفنانين بالتجريب والتفاعل مع القضايا المعاصرة، إلى جانب تمسكهم بجذورهم الثقافية والتراثية.
وفي حديث لـ'الخليج أونلاين' أكد علوان أن الفنانات التشكيليات الخليجيات برزن بقوة في المشهد الفني المحلي والعربي والدولي، وأصبحن يُشكلن عنصراً أساسياً في الحراك الثقافي.
وأشار إلى أن مشاركتهن في بيناليات ومعارض فنية كبرى خارج دول الخليج، دليل على حضور فني متقدم يُعبر عن الذات والخلفية الحضارية الثرية.
وأضاف: 'ما تقدمه الفنانات التشكيليات الخليجيات اليوم، لا يقتصر فقط على الجانب الجمالي أو الأكاديمي، بل يتجاوز ذلك إلى التعبير عن الهوية، وتمثيل الثقافة الخليجية بكل أبعادها، من خلال أساليب معاصرة تحتفي بالبيئة والعادات والملابس والموروث الشفهي والبصري'.
وتابع علوان قائلاً: 'حين تعرض فنانة خليجية لوحتها في عاصمة أوروبية أو آسيوية، فإنها في الحقيقة تفتح نافذة على الخليج، وتتيح للمتلقي العالمي فرصة لفهم هذه المنطقة خارج القوالب النمطية. هذا الدور لا يقل عن أي جهد دبلوماسي أو إعلامي في بناء الجسور الثقافية بين الشعوب'.
وأشار إلى أن هذا الحضور لا يأتي من فراغ، بل هو ثمرة تجارب جادة ومشاركات ميدانية ومؤسسات تدعم الإبداع النسوي، مشيداً بتجارب فنانات خليجيات قدّمن أعمالاً لافتة تنطلق من التراث وتصل إلى التجريد والتقنيات الحديثة.
وألفت إلى أن 'الفنانة الخليجية اليوم ليست فقط صانعة لوحة، بل صانعة مشهد بصري متكامل يحمل رسالة. وعلينا لكوننا مثقفين وفنانين عرب أن نشجع هذا الحضور ونوثّق تجاربه، لأن فيه روحاً خليجية صادقة تستحق أن تُعرض للعالم كله'.